محمد عبد الجبار الشبوط تتحدث سورة الانبياء وعدد اياتها ١١٢ عن موضوعين هما: الاول: الوعد الالهي باقتراب انتصار المؤمنين على المشركين في مكة، والثاني يوم القيامة. والسورة مكية بلا خلاف فيها و سياق آياتها يشهد بذلك، كما قال في الميزان وغيره. فالسورة نزلت في مكة حيث يوجد اقلية قليلة من الناس الذين اسلموا وامنوا بنبوة محمد، واكثرية طاغية من الناس الذين اصروا على شركهم وكفرانهم بنبوة محمد. عن الموضوع الاول نقرأ الايات التالية: الاية رقم (١)”اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُّعْرِضُونَ.” والاية رقم (١١): “وَكَمْ قَصَمْنَا مِن قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْمًا آخَرِينَ”. والاية (٤١):”وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِّن قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُم مَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُون”. و الاية (٧٣):”وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ.” والاية (١٠٥):”وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ”. وقد توهم اغلبية المفسرين في فهم الاية الاولى حيث توهموا انها تتحدث عن اقتراب يوم القيامة، فقد قال في الميزان: “و المراد بالحساب و هو محاسبة الله سبحانه أعمالهم يوم القيامة”، وان كلمة “للناس” عامة وليست خاصة. والحق ان كلمة “للناس” تعني بشكل خاص مشركي مكة بدلالة قوله تعالى: “وهم في غفلة معرضون”. و لا يمكن ان يطلق القران هذا الوصف على الذين امنوا بالنبي محمد. واقتراب حساب هؤلاء امر خاص بالمشركين وهو لا يشمل المؤمنين. واذاً فهو حساب من نوع خاص، ولا يشترط ان يكون المقصود به حساب يوم القيامة. ولا يبعد ان يكون المقصود هو المصير الذي ينتظر المشركين في الدنيا، وهو هزيمتهم على يد المؤمنين. وقد تحقق ذلك بنزول سورة التوبة. وعن الموضوع الثاني اي يوم القيامة نقرأ الايات التالية: الاية ٣٩:”لَوْ يَعْلَمُ الَّذِينَ كَفَرُوا حِينَ لا يَكُفُّونَ عَن وُجُوهِهِمُ النَّارَ وَلا عَن ظُهُورِهِمْ وَلا هُمْ يُنصَرُونَ”. والاية ٤٧:”وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ”. والاية ٩٧:”وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا يَا وَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَذَا بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ.” بل كأن ايات السورة تتنقل بين موضوعين: الانتصار على المشركين في الدنيا، وعذاب المشركين في يوم القيامة. فهي من جهة تتحدث عن اقتراب تحقق ذلك النصر بوصفه نصرا الهيا ضروري التحقق، وعن عذاب يوم القيامة الذي يجهل الرسول موعده كما في الاية:”فَإِن تَوَلَّوْا فَقُلْ آذَنتُكُمْ عَلَى سَوَاء وَإِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ أَم بَعِيدٌ مَّا تُوعَدُونَ. ” وقد تبدو هذه الاية متناقضة مع الاية الاولى في السورة التي تحدثت عن اقتراب حساب الناس. وفي الحقيقة لا تناقض.فالايتان تتحدثان عن موضوعين مختلفين كما قلنا. احدى الايتين تتحدث عن اقتراب موعد النصر الدنيوي وهو قريب، والثانية تتحدث عن موعد يوم القيامة وهو موعد لا يعلم الرسول ان كان بعيدا ام قريبا. |