محمـد شريف أبو ميسم ثمة حملة إعلامية يقودها الإعلام الصهيوني، تنذر بالحرب مرة أخرى، وتحاول تقديم صورة الدمار وجرائم الإبادة التي ألحقتها الآلة الحربية الصهيونية بقطاع غزة والجنوب اللبناني بوصفها حالة انتصار، بعد أن اختل معيار الغلبة جراء عدم تحقيق الأهداف، التي أعلن عنها الكيان في حربه على القطاع والجنوب اللبناني، والتي لم تفضِ لأكثر من الاغتيالات وتدمير المساكن وقتل المدنيين، فيما بقيت أهدافه المعلنة بالقضاء على المقاومة في لبنان وفي غزة، واطلاق سراح الرهائن، وتغيير خارطة مناطق المواجهة ومنع التهديدات عن الداخل، بعيدة كل البعد عن التحقيق، حتى ان هذه الحرب فوتت الفرصة على دعاة نظرية “عديم توريث الصراع ” بعد سنوات طويلة حاولت فيها المؤسسات الصهيونية ابعاد القضية الفلسطينية عن الواجهة، وتقديم حركات المقاومة (للأجيال العربية الجديدة)، بوصفها حركات إرهابية تهدد السلم المجتمعي في البلدان، التي تتواجد فيها، وأن دولة الاحتلال دولة مسالمة وليس لها مشروع توسعي. والأهم من ذلك، فان مشاهد ما بعد وقف اطلاق النار مع حزب الله في 27 تشرين الثاني 2024 ومع حركة حماس في 19 كانون الثاني الماضي، وما حملته للقاصي والداني من صور التحدي والإصرار على المقاومة لدى المدنيين والتي تتماهى مع بسالة رجال المقاومة، حيث تجلى ذلك بوضوح في مشاهد تسليم الأسرى، الأمر الذي وضع حكومة رئيس وزراء دولة الاحتلال “بنيامين نتنياهو” في موقف بائس أمام معارضيه بعد أن تعرض الكيان (وهو الذي يملك عناصر التفوق) لمزيد من الخسائر البشرية والاقتصادية التي فاقت ما تعرض له الكيان حصيلة خسائره التي لحقت به في الحروب السابقة، فضلا عن تعرية صورة الوحش الذي يلبس حلة الحمل الوديع، الأمر الذي يجعل دوافع التلويح بالحرب مرة أخرى لا تتعدى سياقات وأهداف المشروع الصهيوأمريكي في المنطقة. فقد أشرنا في مقال سابق إلى أن أبلغ رسالة قدمتها هذه الحرب، أنها أكدت فشل سياسات التدمير أمام صمود الشعوب وحركات التحرر التي تمتلك ارادتها وتدعوا للوقوف بوجه التوسع والغطرسة، في زمن يتم فيه تسويق فكرة الهيمنة بوصفها سبيل للدفاع عن الحريات وحقوق الانسان، فيما تشتغل الدوائر الصهيونية على محاور سياسية واقتصادية لتنفيذ مشروع الهيمنة، التي يتقدمها برنامج الاحتواء الاقتصادي القائم مراحل تسويق (اتفاقيات السلام والتطبيع، ومن ثم التأسيس لعلاقات اقتصادية يتم بموجبها توظيف فكرة الاستثمار المباشر في نظم ليبرالية السوق تحت مظلة العولمة). ومن هنا لا يمكن قراءة التصريحات الأخيرة لوزير المالية في دولة الاحتلال “بتسلئيل سموتريتش” التي عبر فيها عن قناعته “أن إسرائيل ستعود للحرب في غزة بعد انتهاء المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار” الا في هذا السياق الذي يعتمد التسويق الاعلامي، في وقت يتم فيه تدوير الحقيقة التي تشير الى نهاية فكرة دولة الاحتلال التي لا تقهر وزوال واحة الاستقرار والرفاهية، بدليل مغادرة آلاف المستوطنين للاستقرار في الخارج، وإن “مزيدا من الناس قد يفعلون ذلك في المستقبل نقلا عن صحيفة ليموند”، لتقدم هذه الهجرة بوصفها نذير حرب أكثر شراسة من حرب ما بعد طوفان الأقصى. إذ إن التلويح بمثل هذه الحرب مرة أخرى ازاء تجاهل قرارات المحكمة الجنائية الدولية وصمت الهيئات والجهات الدولية الأخرى، هو السبيل الوحيد لخلق رأي اعلامي ضاغط في الأوساط السياسية والثقافية العربية، هدفه التأثير على مسار المفاوضات في مراحلها الثانية والثالثة، للحصول على مزيد من التنازلات بتأثير من الارادات الدولية التي تشرف على هذه المفاوضات وبزخم فاعل من قبل قيادات الدول العربية المطبعة، التي يراد لها اعلاميا أن تكون الراعي الرسمي لهذه المفاوضات. |