في أقل من أسبوع تداولت عدة فضائيات خبر انتحار شابة وانتحار شاب لا صلة لهما ببعض تاركين رسالة على الفيسبوك بأنهما لم يعودا قادرين على تحمل إحباطات الحياة، ولا يُمكن اعتبار هكذا خبر حالة طارئة واستثنائية بل هما يمثلان الحدود القصوى لإحباط الشباب العربي المنتشر بكثرة،
وأعتقد أن الشابة والشاب اللذين انتحرا وهما في عمر البراعم أو الورود هما من النوع الثالث من تصنيف الشخصية في الطب النفسي إذ تبين أنهما وطوال سنوات عانيا من إحباطات متكررة وقاسية جدا ولم يجدا طاقة فرج فانهارا وفي لحظة يأس أقدما على الانتحار.
ظاهرة انتحار الشباب العربي أصبحت آفة اجتماعية خطيرة تجب معالجتها، فالشاب الذي انتحر كان موهوبا وراقصا ومسرحيا وجامعيا وفرّ من الموت في سوريا إلى لبنان منتظرا فرجا ما كأن يُقبل في إحدى السفارات ويهاجر إلى بلد أوروبي، لكن كل طلباته رُفضت وصار يتنقل من إحباط إلى إحباط حتى انهار وانتحر، والشابة أيضا، ، كتبت على صفحتها في الفيسبوك بأنها كرهت الحياة لشدة الإحباطات وبأن الموت صار يُغريها.
لا أبرر للمنتحرين انتحارهم، ويحزنني ذلك أشد الحزن كما يُحزن كل الناس، لكن السؤال الذي يطرح نفسه بقوة: لماذا تزداد نسبة الانتحار لدى الشباب في عالمنا العربي؟ ولماذا تُخصص ندوات تلفزيونية كاملة على إدمانهم على حبوب الكابتاغون ( والتي تُسمى أيضا حبوب المُقاتلين) إذ أنها تشوش الوعي وتجعل مُتعاطيها يقوم بأعمال عنيفة وإجرامية لا يستطيع إنسان سويّ أن يقوم بها، وتكفي نظرة واحدة إلى أبواب السفارات الأوروبية والكندية كي ندرك هول الكارثة التي يتعرّض لها الشباب العربي، فمعظمهم لم يجد الأمان والاستقرار والحرية والكرامة في وطنه، وكلّ منهم يعرف العديد من أقرانه ماتوا موتا عبثيا، ومن بقي في وطنه يعاني من البطالة والغلاء الفاحش وندرة فرص العمل، وفي أحسن الأحوال يكون الراتب، إن وجد الشاب عملا، تافها ولا يضمن حياة كريمة وأشبه بالحصاة التي تسند ثقبا في جرة،.
وهناك عامل آخر مهم أيضا هو الكبت الجنسي والعاطفي إذ لا يستطيع هؤلاء أن يتزوجوا ويؤسسوا أسرة، وما أشكال الزواج الغريبة التي نسمع بها، من زواج المسيار إلى زواج الفريند إلى تسميات عجيبة من أنواع الزواج إلا لتنفيس الرغبات االعاطفية لدى الشبان والشابات الذين يتحايلون على القوانين ليعيشوا عواطفهم وغرائزهم والتي هي حق لهم، وقد كانت لي تجربة مريرة جدا حين أعطيت دروسا لطلاب في المعهد الطبي، ومدة الدراسة في المعهد سنتان بعد الشهادة الثانوية، وهالني كمّ اليأس والإحباط لديهم فالدولة غير مسؤولة عن توظيفهم بعد تخرجهم وفرص السفر والبحث عن عمل شبه معدومة لديهم، بل إن أحد الشبان اعترف لي بأنه لا يملك ثمن علبة سجائر ولا يستطيع أن يقصد حتى مقهى شعبيا. فكيف سيستطيع هؤلاء أن يعشقوا ويؤسسوا أسرة وكل الظروف تخنقهم. وأيامهم أشبه بدولاب يدور بعبثية والعصيّ تعيق تقدمه.