د.عاصم طلعت دائما ما كان يتردد على ذهني تساؤل ومازال ينمو باحثا عن إجابة تكشف كنه الإعجاز القرآني الفريد، ولا شك أن علماءنا السالفين الأجلاء ترقوا بابه وكشفوا عن درره التي مازالت تقنع وتمتع وتكون خير شاهد ودليل على ألوهية القرآن الكريم؛ فالنظم القرآني الفريد به ما يدفع إلى التنقيب والتحليل، والبحث والتحليل. ومن الشواهد التي توقفت عندها تكرار كلمة “الصبر” ومشتقاتها في الكتاب المبين، والتي لا تأتي في آية مباركة إلا ولحقت بجائزة لمن تمرسها، فهذا قول الحق: “وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللهِ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ (127) إِنَّ اللهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ” (128) المذيلة لسورة “النحل”. تعقبها في ترتيب المصحف سورة “الإسراء” التي تصدرت بقوله تعالى: “سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ”(1)، قول إلهي يحكي لنا الجائزة العظمي التي نالها محمد – صلى الله عليه وسلم – المتوج بلقاء إلهه – سبحانه وتعالى – لقاء المحب للمحب بعد أن مارس رسولنا الكريم شتى ألوان الأخذ بالأسباب لدعوة قومه الذين أبوا الدعوة والهداية معا، بل وناهضوا دعوة الهادي بممارستهم لجميع ألوان القمع لكل من آمن بكلمة الوحدانية وعلى رأسهم الهادي نبينا؛ فما كان جزاء الصبر على هذه الممارسات العنيفة إلا الفوز بجائزة اللقاء مع الرب الخالق لتثبيت قلب النبي وشحذه بالعزيمة اللازمة لاستكمال الدعوة. وقد شاهدت في النص المبارك الأمر الإلهي بالصبر في قوله تعالى: “اصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُدَ ذَا الأيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ” (17) (ص). وفي ذلك قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: “إن أحب الصيام إلى الله صيام داود، وأحب الصلاة إلى الله صلاة داود، كان يصوم يومًا ويفطر يومًا، وكان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه، وينام سدسه”. شاهدت أن الآية المباركة السالفة لحقت بقوله تعالى: “إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْرَاقِ (18) وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَهُ أَوَّابٌ (19) وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ” (20). فهذا الصبر على العبادة والصوم توجت بالجائزة العظمى التي نالها داود – عليه السلام – والتي لم تقتصر عليه بل وورثت لمن بعده.. نظم قرآني يأتي بظلال مشاهدة ترسخ في نفس المتأمل دروس قرآنية تعظم من قيمة الصبر الذي لا يأتي بمحنة إلى وتعقبها المنحة، دروس ربانية يجب أن يستفيد بها أبناء الأمة العربية والإسلامية تفتح لهم أبواب الأمل الدافع لحركة عملهم في الأرض، والتي بلا شك يكون لها الثواب العظيم. دروس قرآنية مباركة جاءت مشاهدة للرائي من خلال نظمه الفريد المعجز لتكون خير سبيل يعظم من قيمة الصبر الذي لا يعقبه إلا منحة من الخالق. |