حازم مبيضين ليس أشق على النفس من معرفة أن أكثر من عشرة آلاف طفل مهاجر فُقدوا بعد وصولهم إلى أوروبا، خلال العام الماضي، ولا يتضمن هذا الرقم المهول من غرق منهم، فلا أحد يعرف أرقامهم غير البحر، أما المختفون فلا أحد أيضا يعرف مصيرهم، ولا الظروف التي يعيشونها، وهم الذين هاجروا بحثاً عن الأمان المفقود في أوطانهم، علماً بأن عدد من وصل منهم إلى أوروبا بدون رفقة بالغين 26 ألفا العام الماضي، وهنا تبرز المخاوف من استغلال عصابات تتاجر بالأطفال لأغراض الجنس أو العبوديّة لعددٍ منهم، مع تحذيرات من نشوء بنية تحتيّة إجرامية خلال الفترة التي زادت خلالها وتائر اللجوء، لاستغلال تدفّق المهاجرين، مع تقديرات متفائلة بغير مبرر، بأنه ربّما انضم بعضهم إلى أقارب لهم، ولم يتم استغلالهم جميعاً لأغراض إجراميّة، رغم توافر الأدلّة على وجود علاقات بين عصابات التهريب، التي تنقل المهاجرين إلى أوروبا، وعصابات تجارة البشر التي تستغلّهم لأغراض الجنس والعبوديّة، علماً بأن هناك سجونا في ألمانيا والمجر، غالبية السجناء فيها متّهمون بارتكاب نشاطات إجراميّة تتعلق بأزمة المهاجرين.في صحوة ضمير متأخرة، كشفت أجهزة الأمن الأوروبية المختصة عن زيادة وصفتها بالمقلقة، لتورط عصابات المافيا والتهريب المنظمة بمساعدة اللاجئين في التجارة غير المشروعة في العبودية والجنس، وفي حين تُعد قضية أطفال اللاجئين من أبرز الملفات المطروحة في المحافل الدولية، بسبب معاناتهم من أزمات نفسية جرّاء رحلة اللجوء المحفوفة بالمخاطر والاستغلال، فإنه ما زال هناك من يُخاطر بروحه أو حريته للوصول إلى الجنة الأوروبية، التي ضاقت بكثرتهم فأوصدت أبوابها، وقامت بعض دولها بالاستيلاء على مقتنيات المهاجرين الثمينة لتمويل إقامتهم، واختفى هؤلاء الأطفال بعد تسجيلهم لدى سلطات الدول التي وصلوها، ومنهم 5 آلاف في إيطاليا «بلد المنشأ للمافيات»، والسويد التي يعتبرها كثير من المهاجرين قبلتهم الأولى وجنتهم الموعودة.بدأت حكايات الأطفال المختفين تظهر بعد الكشف عن أعدادهم، أحدهم شاب يبلغ من العمر 17 عاماً، أُجبر على العمل في مزرعة طوال أشهر، حيث استُغل مالياً، وأُنهك جسدياً ونفسياً، مع التهديدات الدائمة بإبلاغ السلطات عنه، وهو يؤكد أنّه بدأ عمل السخرة هذا بوساطة مهاجرين عرب له، تقاضوا سمسرة على راتبه الصغير، تمكن الفتى من الهرب بعد جمع مبلغ مطلوب لتهريبه، ليبدأ بعدها رحلة معاناة مع مهاجرين آخرين بغية الوصول إلى الشمال الأوروبي، ومثل هذا الفتى كثيرون ومنهم فتى في السادسة عشرة وعد أحد المهربين أهله بأنّه سيوصله من ليبيا إلى السويد، ليعمد الفتى بعدها إلى تقديم طلب بلمّ شمل عائلته، وتقاضى المهرّب ستة آلاف دولار فهرّب الفتى إلى إيطاليا، لكنّه لم يصل إلى السويد، وأمضى 16 شهراً دون الحصول على اللجوء الذي توقعه، فاختفى من إيطاليا ليعمل في برلين متخفياً، بانتظار مرور سنة ونصف على أخذ بصماته في إيطاليا، ليتمكن بعدها من التقدم بطلب جديد للجوء في ألمانيا، وهو هنا يبدو خبيرا كالكثيرين من المختفين في بنود «اتفاقية دبلن»، فبعد سنة ونصف تُلغى بصمة مقدم اللجوء من الحاسوب المركزي الأوروبي، لمن يختفي عن أعين السلطات، لذا تجد الآلاف بمثل وضعه، وهو يشعر بأنّ بقاءه في ألمانيا متخفياً أسهل له من الوصول إلى السويد. المؤكد اختفاء المئات من الأطفال والشباب من مراكز اللجوء ومؤسسات الرعاية المتخصصة في أوروبا، ويبقى مصير أغلبهم مجهولاً، ولا أحد يُمكنه معرفة إن كانوا يسافرون إلى أماكن أخرى، أم أنهم ضحية لعصابات المتاجرة بالبشر، فهناك آلاف المهاجرين القاصرين يصلون إلى أوروبا دون مرافقين، وهم يأتون من أفغانستان والمغرب وسوريا والعراق والكونغو الديمقراطية والصين، هرباً من الحروب والنزاعات المسلحة، أو لأن أسرهم دفعت بهم إلى الهجرة لكسب المال، وهم يواصلون الهرب بعد نقلهم إلى مراكز اللجوء، أو مؤسسات إيواء الأطفال واليافعين، إما لأن المركز لا يتوافق مع توقعاتهم، أو لأن هدفهم هو العمل وكسب المال، وآخرون يعتبرون البلد مجرد محطة عبور إلى اتجاه آخر، وليس سراً أن إهمال رعاية القاصرين، يرفع من احتمال وقوعهم ضحية للدعارة بالنسبة للفتيات، وانزلاق الذكورإلى عالم الإجرام. ثمة تقصير في الرعاية، فالأمر لا يتعلق بصدقة تتفضل بها السلطات، لأن القانون الدولي، المصادق عليه من جميع الدول الأوروبية، يفرض توفير حماية خاصة للقاصرين المهاجرين منفردين، حتى بلوغهم سن الرشد، غير أن الحكومات تتجاهل هذه الحقوق، باعتبار أن هؤلاء الأطفال لا ينتمون لها، وهذا بالطبع يتناقض مع المعاهدة الدولية لحماية الطفل، التي تؤكد أن الحقوق تشمل جميع الأطفال المتواجدين في البلد، ومنهم فتيات يعرض تجار البشر دفع تكلفة سفرهن في عملية احتيال لجعلهن مثقلات بالدين، لإجبارهن لاحقاً على ممارسة الدعارة، ذلك أن الاستغلال الجنسي والاستعباد هما في اغلب الاحيان ما ينتظر المهاجرين القاصرين، فالمافيات تعترض الكثير منهم بعد مراقبتهم بانتظار لحظات محددة في حياة هؤلاء الضعفاء، الخائفين من تعرف السلطات عليهم، وهم في هذه اللحظة يتحولون إلى بائعي مخدرات، أو يُرغمون على ممارسة البغاء في ظروف لا يُمكن تصورها. وبالرغم من كل هذه المآسي، لا يزال بعض الآباء يغامرون بإرسال أطفالهم إلى المجهول، ولا تزال الحكومات المعنية تواصل سياساتها الطاردة للمواطنين، دون أي إحساس بالمسؤولية.
|