إسراء عبد الهادي الزيدي فتاة في عمر الزهور,مدينة خضراء مشبعة بالمطر,لها فرشاتها الخاصة لتلون كل ما حولها من بقايا اشياء وهي تتصور ان فرشاتها هذه لها القدرة على محو مواضع الالم ان اضافت حروفا لها عمل البلسم لكنها كثيرا ما تنسى ان ما في يدها مجرد فرشاة لا تملك وظيفة المحو.عائشة تتمنى لو تمحو حرف الراء عن كلمة حرب ليبقى الحب ويبقى العراق, لكنها لا تنفك عن اختيار الادوات الخاطئة كتلك الفرشاة! تماما كالكثيرين الذين يظنون ان الالم كالمرض الخبيث يمكن ان يقضى عليه بالبتر وينسون ان هذا قد يقود الى الهلاك. كانت تلقي قصيدة جميلة في يوم رفع العلم الذي يتم في كل يوم خميس,تردد بحماس: ( هلا يا عراق.اضمك بين العروق فتعسل عذوقي وطعم العراقة حلو المذاق)... تقرا فيبكي الحضور اما عنها فابتسامتها تكبر اكثر حين ترى ردود الافعال هذه ظنا منها ان هذه هي احد استراتيجيات _الفرشاة_! . تكمل بمشاعر جياشة: (يا كل حرف تبغدد, وبغداد مثل حورية جمالها يتجدد.تبغدد! فورد الوضاءة فوق الجبين وماء الفراتين ملء المآق,هلا يا عراق).في الطرف الآخر من بغداد العاصمة,تلون زهراء سماء الكرخ بفرشاتها الفنانة في معرض فني سنوي ,لتتفوق فيه بجدارة على الكثيرمن المتسابقات.تحدق فاطمة بعينين لامعتين دامعتين في عينه! فقد زخرفتها بطريقة فنية فريدة,تخاطبه بصمت : من اين تسلل الحزن الى عينك؟ من دمر راءك وقصف الالف الشّماء التي تزهو كنخلة بصرية شامخة في ربوعك؟ من امطر القاف بالقذائف والحقد والدمار؟ ( سلاااام على عينك,راءك,الفك وقافك.بردا وسلاما على كلك أيها السيد المتوج بتاج العز والسؤدد)... هنا يعلن اسمها لتحتل المرتبة الاولى في مسابقة الرسم,تعتلي المنصة لالقاء كلمتها,قالت بثقة: (اول رسوماتي كانت تلك العين,فهنا تعلمت اول نظرة للحياة,رايت عينه التي تتفقدني كل صباح لانها تشرق قبل شمسه لتفقد احلامنا, وتدعونا لعيش يوم جديد,لحياة نابضة مليئة كحبات سنبلة محملة لابد ان تنضج لتتفتق عن خير وفير يملئ سلال الايام القادمة.فمرحبا بصباحات قادمة على ارضه تلونها فرشنا مستمدة قوتها من سيد الاوطان)... تصفيق حار تبع هذا الكلام المؤثر، زهراء لم تبتسم بل وضعت تلك الجائزة على قلب العراق وركبت السيارة متوجهة مع العائلة الى المجهول.على جانب الرصافة,كان درس الانشاء في اللغة العربية على وشك الانتهاء,عائشة تلقي بحماس: (افرط قلبي ان فرط فيك! يا فلاحنا العتيد أعدك بأن موسم حصاد السنابل الذهبية قريب! يا عر...) ليقاطع الدرس معاون المدير معلنا أن ولي أمر الطالبة عائشة قد حضر لأخذها..حزنت البنت لأنها لم تكمل نطق حروف العراق,خرجت بهدوء. أنين هاتف الوالد فيه نبرة مخيفة هذه المرة,رفعه وخاطب المتصل بصوت حاد: وهل تعتقد أننا من الممكن أن نأكل حب الوطن ولا (نغص), أم نفرغ حب الوطن في زجاجة حبر ليترجم فيما بعد على أوراق الآم الغربة؟! أم تظن أننا نستطع ببساطة تعبئة خزان الوقود بهذا الحب ومغادرة الوطن! سأظل أنعم بصفاء سمائه وزرقة مائه وتربته وأحجاره الكريمة, سأنتقل لكني لن أرحل. على جسر الأئمة كأن عرضا حزينا يعرض على مسرح وإتخذ أبطاله وضعية الأموات أما الضحكات فكأنما قد سرقها رصاص الغدر ودوي الإنفجار المرعب ليخلق هذا الجو الأليم,مطر غزير يرسم في الأجواء تلويحات كفوف وغبار وعتمة, لتسقط تلك الكفوف وتتمرغ قي وحل الهزيمة والضياع والتشتت ، وحل النهاية.بكاء هذه السماء يكشف عيوب شوارع الوطن من حفر وفجوات مختلفة الأشكال ويسحب خيوط خريف مخيف ينبأ بالمجيء ليسطو بجفافه على ما تبقى من آمال لوحدة وطنية لكن بحرا سكب في تلك العيون وآمال تحطمت. شطران يلتقيان على جسر الحب الجريح, يترجل أبو زهراء من سيارته ليسأل الشرطة التي قد طوقت المكان بعد محو أثار الكارثة التي حلت: _ماذا حدث؟ لكنه لم يعثر على إجابة غير الإسلوب العنيف الذي تلقاه من هذه القوات التي يخيم عليها الخوف.إضطر أبو فاطمة الى الجلوس مع عائلته على مقربة من عائلة غريبة هي الأخرى قدمت من الشطر الآخر إنتظارا للسماح لهم بعبور الجسر مجبورة لترك منشأ صباها الى الجهة الاخرى من المدينة تحت تهديد سلاح الجهل والتعصب. تأقلمت العائلتان مع بعضهما بسرعة عجيبة, وراح كل منهما يسرد حكايته وإتضح ما إتضح.إحتضنت عائشة صديقتها الجديدة زهراء لأن دمعا تسلل من عينيها لم تستطع مقاومته.قرر الجميع الرجوع الى نقطة الأصل بعد الدموع والأحضان إبتسامة الأمل والفرح بفكرة الرجوع هي من طغت على الأجواء,ردد الجميع بقلب واحد: سنواصل السعي,نحث الخطى ونبذل كل ما بوسعنا ملقين وراء ظهورنا أحمالا وأثقالا أرقتنا وأتعبتنا كثيرا لنمضي خفافا من بواكير النهار وحتى غمضة عين الليل,نزيل الأذى عن الطريق، كل الحواجز والعراقيل والأسلاك الشائكة التي أريد لها أن تكبل خطونا وتعيقنا عن مواصلة السير معا نحو مدن الشمس والسنابل وبطاقات الحب الملونة وعصافير السعادة. |