د. عامر الطائي 

في عالمنا المادي، الذي يسير تحت رحى النتائج والأرباح، نرى أن الإدارة ترتكز أساسًا على ما تحققه من إنجازات وأهداف مرسومة مسبقًا، فيُعرف نجاح المدير أو المؤسسة بمدى تحقيقهم لتلك النتائج المحددة. هذه هي “الإدارة بالنتائج”، التي تعتمد على معايير وأرقام مرئية وملموسة،

فتسعى المؤسسات لتحقيق الأهداف بأي وسيلة كانت، وغالبًا ما تضع المنفعة الدنيوية نصب أعينها، دون أن تلتفت إلى ما وراء هذا العالم المرئي. لكن الإسلام المحمدي الأصيل، يأتي بمفهوم أوسع وأعمق من الإدارة بالنتائج المحصورة في نطاق المصالح الأرضية.

ففيه نجد أن الإدارة لا تقف عند تحقيق النتائج فحسب، بل تتجاوزه إلى الإدارة القائمة على القيم النبيلة، والأهداف السامية التي تنظر إلى الآخرة بقدر ما تنظر إلى الدنيا، فتصبح الإدارة عملية متكاملة تُعتبر فيها النتائج أداة لتحقيق القيم والغايات التي أقرّتها السماء. في منظور الأرض، ترتبط الإدارة بالنتائج بفلسفة الأرقام، حيث تُقاس الجودة والنجاح بتحقيق الأهداف الموضوعة مسبقًا. لا مجال هنا للقيم إلا بقدر ما تخدم تحقيق تلك الأهداف،

فالنزعة المادية هي المسيطرة، إذ ينصبّ اهتمام المديرين على كيفية تحقيق الأرقام المستهدفة، حتى ولو تمّ على حساب الاعتبارات الإنسانية والأخلاقية. هذه الإدارة بالنتائج كثيرًا ما تثمر في توسيع الأرباح وزيادة الإنتاجية، لكنها تحمل في طياتها مخاطر عديدة. إذ قد تؤدي إلى استنزاف الموارد البشرية وتهميش القيم، وتؤدي كذلك إلى تنافس غير متكافئ يسعى فيه الجميع إلى تحقيق أهدافهم بغض النظر عن الوسائل، ويُهمل جانب التراحم والصدق الذي ينظّم العلاقة بين البشر.

أما “الإدارة بلا نتائج” بمفهومها السماوي، فتعني أن الإدارة ليست غاية بحد ذاتها بل وسيلة لتحقيق غايات أسمى ترتبط بتقوى الله وخدمة عباده. الإدارة هنا تقوم على الإخلاص والإحسان، ولا تقتصر على حساب الأرباح والخسائر المادية، بل تتطلع إلى مرضاة الله والعمل لوجهه الكريم.

فالنتائج لا تقاس بالأرقام، بل بما تحقق من رضى في قلوب البشر، وما ترك من أثر طيب في المجتمع. في الإسلام المحمدي الأصيل، لا يُنظَر إلى النتائج بمعزل عن المقاصد، بل إن الإدارة الحقيقية هي التي تُبنى على نية صالحة وسعي نزيه دون أن تكون مرتبطة بمدى المكاسب الدنيوية. هذا لا يعني إهمال الأهداف أو التقصير في السعي،

بل هو سعي غير مشروط بالنتيجة المادية بقدر ما هو مشروط بغاية مرضاة الله، فالإدارة تصبح هنا رسالة وليست وظيفة، مسؤولية وليست منصبًا. الإدارة بالنتائج التي تعتمد على منظور الأرض، وإن حققت نجاحات وقتية، تبقى قاصرة عن تقديم المنفعة الشاملة والأثر الدائم. أما الإدارة وفق منظور السماء، فتقدم نموذجًا متكاملاً يحمل الأمانة ويجمع بين السعي إلى النفع العام والاعتبار الأخلاقي العميق، فتكون نتائجها مرضاة الله وتوفيق يسري في عملها وأثر باقٍ في المجتمع.

إن الاختلاف بين “الإدارة بالنتائج” و”الإدارة بلا نتائج” يكمن إذًا في روح الرسالة التي تحملها الأولى والمنفعة الوقتية التي تسعى إليها، والثانية التي تسير وفق هدي السماء لتصل في النهاية إلى ما هو أعمق وأبقى: خدمة الإنسان في طاعة الرحمن.