عادل الجبوري لا يختلف اثنان في أن الثورة الحسينية الخالدة التي مرَّ عليها نحو أربعة عشر قرناً من الزمان، ما زالت تمثل واحدة من ابرز واهم الثورات في التأريخ الاسلامي، وتأريخ البشريَّة على وجه العموم. فهي من خلال ظروفها واحداثها ووقائعها ومعطياتها وشخوصها ورموزها، انطوت على ابعاد ومضامين انسانية واخلاقية ودينية عظيمة، وافرزت دروساً قيمة في الصدق، والتضحية، والثبات على المبادئ، ونصرة الحق والعدل، ومواجهة الباطل والظلم. والأمر المهم في كل ذلك، أنّ الثورة الحسينية الخالدة عبرت عن واقع وحقيقة الصراع بين معسكر الحق ومعسكر الباطل، وأدوات الانتصار الحقيقي في ذلك الصراع، التي نراها ونلمسها في العصر الحاضر يومياً، متجليّة بوضوح. أدوات الانتصار في الثورة الحسينيَّة، ليست ذاتها ادوات الانتصار في اية ثورة او حركة سياسية او اجتماعية اخرى، لسبب بسيط يتمثل في ان أحد طرفي الصراع كان يسعى الى السلطة بأي ثمن، اما الطرف الثاني فإنّه حينما اختار المواجهة والتضحية بكل شيء انما كان يهدف الى ترسيخ قيم ومبادئ انسانية عظيمة، في الدفاع عن الاسلام المحمدي الاصيل، وفي التصدي للظلم والاستبداد والتسلّط، وفي فضح أساليب ومناهج النفاق والخداع وقلب الحقائق وتزييف الوقائع. فكل دعاة الحرية والثائرين والمظلومين واصحاب الفكر الانساني النير عرفوا الامام الحسين عليه السلام عن كثب رغم انهم لم يعايشوه، ورغم ان الكثير منهم لم يعتنقوا الدين الذي اعتنقه، عرفوه لأنه دافع عن كل المظلومين والمضطهدين والمحرومين بوجه الطغاة والظالمين والمنحرفين، وعرفوه لأنه قدم أرفع وأسمى وأقصى درجات التضحية والايثار ونكران الذات من أجل المبادئ النبيلة، وعرفوه لأن ثورته كانت وما زالت وستبقى عالميَّة بكل معنى الكلمة. ماذا يعني كل ذلك؟.. يعني أن الحسين عليه السلام كان بتضحياته العظيمة مشروعاً عالمياً للوحدة، ومشروعاً عالمياً للحياة الحرة الكريمة، ومشروعاً عالمياً للعز والإباء ورفض الضيم والتسلّط والفساد والطغيان، ولو لم يكن كذلك لما أصبح قبلةً لكل الأحرار، ومنارةً لكل الشرفاء، وقدوةً للإنسانيَّة جمعاء. وهذا يعكس بلا أدنى شك قدسيَّة وشموليَّة الثورة الحسينيَّة من حيث الأهداف والنتائج، فالظلم والفساد والانحراف والطغيان موجود في كل زمان ومكان، والمظلومون في شتى بقاع الارض، وفي مختلف الحقب والعصور-وهم كثر- بحاجة الى قادة ورموز كبار وعظماء يصححون المسارات الخاطئة، ويرسّخون قيم الحق والعدل والمساواة والخير والصلاح. فتضحيات الإمام الحسين عليه السلام وأهل بيته وأصحابه، كانت تعبيراً صادقاً وحياً لنكران الذات لإعلاء كلمة الله.. وهدف ومفهوم إعلاء كلمة الله يستوعب ويحتوي كل الاهداف والغايات النبيلة والسامية، وتلك التضحيات لا تضاهيها أي تضحية أخرى، ولعل هذا واحداً من أبرز أسرار بقاء وديمومة الثورة الحسينية. إننا اليوم بأمس الحاجة الى استلهام الدروس والعبر العظيمة من قيم ومبادئ الثورة الحسينية، ومن التضحيات الكبرى التي قدمها الامام الحسين بن علي عليهما السلام وأهله وأصحابه، ومن دون استلهام تلك الدروس والعبر، ومن دون السير على نهج سيد الشهداء ابي الاحرار الامام الحسين عليه السلام نفسه، ومن دون الاقتداء بتلك الثلة الطاهرة الصادقة الصابرة المضحية التي مثلت اسمى مراتب نكران الذات من اجل تحقيق هدف عظيم.. من دون ذلك كله فإنَّ مسيرتنا ستكون بالاتجاه الخاطئ البعيد عن جادة الصواب، ومنهج الحق، وثوابت الاسلام المحمدي الاصيل، والبعيد عن قدسية اهداف الثورية الحسينية، واثمان الدماء الزكية التي اريقت، والأرواح الطاهرة التي أزهقت برمضاء كربلاء في مثل هذه الأيام قبل ألف وثلاثمائة وستة وثمانين عاماً. |