رابعة الختام الشائعات تنتشر كالدخان القاتل الذي لا يمكن السيطرة عليه، ولا عودته ثانية لفوهة الإناء، يتبلور سحابات تعبر الجغرافيا المكانية إلى أبعد الحدود. الشائعة في رحلتها منذ انطلاقها تمر بالكثير من المحطات، تسقط منها تفاصيل، أو تغتسل بماء الحكي فيبدع مروجوها في حبك قصص وحكايات وإضافة الكثير من التفاصيل، ونشرها في روايات ترتدي كل يوم حلة جديدة، يضيفون إليها ويحذفون منها فتصبح ملكا للمروج الآني لها بعد أن ضاع صك ملكية مروجها الأول فباتت حرة طليقة تتقاذفها الأيادي. وتتنوع الشائعة؛ فمنها الزاحفة التي تنتشر همسا، والغائصة التي تغوص وتطفو حسب الظروف المجتمعية الحاضنة لها. وبسبب طبيعة المجتمع المحب للقصص والحكي تنتشر الشائعة بإضافات كثيرة تذكرني بمذاقات رقائق البطاطا المقرمشة فلا تتوقف عند إنسان، ولو فعلت لماتت فأراحت الكثيرين، ولكن للأسف يضيفون إليها من توابل الحكي ومواده الحريفة ما يخرجها دائما عن إطار المعقول. علم الأساطير (الميثولوجيا) الراسخ في الضمير الشعبي يحكي في أسطورة وعظية طريفة أن رجلا ذهب إلى حكيم القرية ليدله على طريقة تطهره من عذاب الضمير بعد أن لوث سمعة فتاة بريئة، لرفضها الزواج منه، فأعطاه الحكيم سلة مملوءة بأوراق الأشجار وطلب منه أن يضع ورقة واحدة أمام كل بيت بالقرية مساء ليلة عاصفة، على أن يأتي في اليوم التالي ويجمع الأوراق، وإذا نجح في جمعها كلها أو بعضها فهذا دليل على تطهره من الذنب، فإذا بالرجل يذهب إلى الحكيم مذعورا فلم يجد أي ورقة بمكانها، فقال له الحكيم “هذا هو حال الشائعة سهلة الانتشار سريعة الطيران لا يمكننا تجنب آثارها”. وهذا بالضبط ما يفعله البعض حين يلوك بلسانه سمعة أبرياء بأكذوبة رخيصة تجرف القيم والمبادئ من معانيها وتحولها إلى حبر مهدر على أوراق بالية. تحولنا إلى مجتمعات فارغة تعاني تخمة في الوقت فتحاول شغل فراغ وقتها وعقلها بخلق أكاذيب عن أناس يغطون في النوم في نفس اللحظة التي يتورطون فيها كأبطال لقصص خرافية، وربما كانوا يحتسون شاي الخامسة، أو يستمتعون بحمام دافئ. مقصدي أنهم (وفي غفلة منهم يصبحون) مادة دسمة لشائعات بلهاء تنال منهم كثيرا، وكلما كان الشخص مشهورا أو مؤثرا في محيطه كلما وجدت الشائعات طريقها إليه وأسرعت الخطى، وأكثرهم أهل الفن والرياضة والشخصيات العامة. الشائعات في الحروب لإثارة البلبلة في صفوف العدو ضرورة حربية لتحقيق النصر، ولكنني أتساءل ما فائدتها في حال تلويث سمعة شركاء الإنسانية؟. في بلدي لا شيء ينمو ويتكاثر إلا الكلام، فكلمة واحدة تطلقها على أي شخص في تجمع ما، تصبح قبل نهاية اليوم ألف كلمة، قصة وحدوتة. كان طلاق الثنائي الأشهر في الوسط الفني النجمين نور الشريف وبوسي، حدث الأحداث كما يقولون، فكما كان زواجهما جللا، كان طلاقهما حدثا جللا، وباتت الأقاويل تؤلف من الحكايا ما لا يليق بتاريخ النجمين ولا علاقتهما المتحضرة، فمن قال بأن نجمة شابة أغرت الشريف بشبابها وجمالها فترك من أجل عينيها العسليتين عشرة السنين والكفاح المشترك مع شريكة العمر والمهنة والهموم. وفي موت الرجل طالته الشائعات هو وزوجته وابنتيه عن ثروة طائلة تقدر بـ600 مليون جنيه (75 مليون دولار تقريبا)، قابلتها الجميلة بوسي بضحكة عالية متسائلة عن أماكن وجود الثروة حتى تضمنها إعلان الوراثة. الطريف أنك لا تجد أصلا للحكاية، فدائما بطلها “اللهو الخفي”، أو كما قال الفنان عادل إمام على لسان بطل مسرحيته الشهيرة “شاهد ما شافش حاجة” سرحان عبدالبصير “قالوا له”. فتحول مجتمعنا إلى مجتمع قالوا له، ولا ندري من هم الذين قالوا، والإجابة الوحيدة التي تريح الصدور هي أن القائل هو “اللهو الخفي”. |