الفريق الدكتور سعد معن الموسوي لم يعد تغيّر العادات والتقاليد مسارًا بطيئًا كما عهدناه من الأجيال السابقة ففي السنوات الأخيرة حدث تسارعٌ اجتماعيّ غير مسبوق جعلنا نفقد بعض الممارسات التي تربّينا عليها وتوارثناها من آبائنا وأجدادنا. هذا التحوّل لم يكن وليد الصدفة بل نتاج تقاطع قوي بين علم نفس الإعلام وعلم نفس الاجتماع. فالإعلام الحديث لم يعد مرآة المجتمع فقط بل أصبح قوة تساهم في إعادة تشكيله من الداخل. في علم نفس الإعلام يُنظر إلى السوشيال ميديا باعتبارها «مُهندسًا نفسيًا» قادرًا على تغيير الإدراك الجماعي لأنماط الحياة. المحتوى المتكرر يصنع تطبيعًا والتطبيع يُنتج قبولًا والقبول يتحوّل إلى عادة جديدة تحلّ مكان عادة قديمة. ومع كثافة المقارنات والضغط الاجتماعي الرقمي والبحث الدائم عن القبول بدأت الأجيال تتبنّى سلوكيات تختلف جذريًا عمّا كانت عليه الهوية التقليدية. أما علم نفس الاجتماع فيفسّر هذا التبدّل بأن المجتمع حين يدخل مرحلة اضطراب أو صدمات مثل جائحة كورونا التحولات الاقتصادية الانفتاح الإعلامي يصبح أكثر استعدادًا للتخلّي عن العادات التي فقدت وظيفتها وأكثر قابلية لاعتناق سلوكيات جديدة. فالعادات لا تختفي لأنها قليلة القيمة بل لأنها لم تعد مناسبة لإيقاع الحياة السريع أو لأن المجتمع لم يعد يرى فيها ضرورة. لذلك نرى اليوم ضعف الروابط العائلية الواسعة تغيّر شكل المجالس الاجتماعية تحوّل مفهوم الضيافة تبدّل العلاقات وحتى اختلاف طرق التربية… وهي جميعها ظواهر لم يكن من السهل تخيّلها قبل عشر سنوات فقط. إن ما نعيشه ليس مجرد فقدان للعادات بل إعادة صياغة للهوية الاجتماعية تحت تأثير الإعلام. فالشاشة أصبحت مؤثرًا أقوى من العشيرة والصورة أقوى من الكلمة واللحظة الرقمية أقوى من الذكرى المتوارثة. والسؤال الذي يفرض نفسه: هل نحن نتغيّر لأن العالم يفرض علينا هذا التغيير أم لأن المجتمع ذاته يبحث عن نسخته الجديدة؟ وأترك للقارئ في النهاية السؤال الذي يفتح باب النقاش: ما هي العادات الإيجابية والسلبيّة التي تغيّرت في مجتمعك خلال السنوات الأخيرة؟ وهل ترى هذا التغيّر تطورًا طبيعيًا… أم فقدانًا تدريجيًا لما صنع هويتنا عبر الزمن؟ |