الفريق الدكتور سعد معن الموسوي بمناسبة اليوم العالمي لمناهضة العنف ضد المرأة في كل عام، وفي الخامس والعشرين من تشرين الثاني، يقف العالم أمام مسؤولية أخلاقية وإنسانية وقانونية لمراجعة ما تتعرض له النساء من أنماط متعددة من العنف. وإذا كان العنف الجسدي والنفسي والاجتماعي معروفَين لدى الجميع، فإن أحد أخطر أشكاله اليوم هو العنف الإلكتروني ذلك الوجه المخفي الذي يمارس من خلف الشاشة، لكنه يترك جراحاً لا تقل عمقاً عن أي أذى مادي مباشر. لقد أصبح الفضاء الرقمي امتداداً لحياتنا اليومية، وفيه تُنشئ المرأة علاقاتها الاجتماعية، وتعمل، وتتعلم، وتُعبّر عن رأيها. لكن هذا الفضاء نفسه تحوّل، في كثير من الأحيان، إلى بيئة خصبة لتهديد أمن النساء وابتزازهن. ومن موقعنا الأمني، نرى يومياً كيف يعيد العنف الإلكتروني إنتاج نفسه بصيغ جديدة، مستفيداً من انتشار الأجهزة الذكية وسهولة الوصول إلى المنصات الرقمية. الابتزاز الإلكتروني، التهديد بنشر الصور، التنمر، القرصنة، التجسس على الحسابات، وانتحال الشخصية… كلها ممارسات تنمو وتتطور مع توسّع استخدام الإنترنت. وفي غالب الأحيان، تكون المرأة الهدف الأكثر عرضة، بحكم أن الخصوصية بالنسبة لها أكثر حساسية، وأن أي اعتداء رقمي قد ينعكس عليها اجتماعياً ونفسياً بشكل مضاعف. ومع كل حالة نتعامل معها، ندرك أن الخطر لا يكمن في التقنية ذاتها، بل في استخدام البعض لها كسلاح يهاجم كرامة الإنسان. فصورة واحدة أو رسالة واحدة قد تُستغل لتدمير حياة امرأة أو ابتزاز أسرتها أو دفعها إلى العزلة والصمت. وهذا ما يجعل مكافحة العنف الإلكتروني مسؤولية وطنية مشتركة. لقد عملت مؤسساتنا الأمنية، ومن ضمنها الشرطة المجتمعية والأسرة والطفل، على تطوير آليات علمية للتعامل مع هذه الجرائم؛ بدءاً من استقبال البلاغ بسرية تامة، مروراً بالتحقيق التقني المتخصص، وصولاً إلى توفير الدعم النفسي والاجتماعي للضحايا. واليوم، نمتلك خبرات كبيرة في تتبع الجناة، مهما حاولوا الاختباء خلف أدوات التخفي الإلكترونية، ومهما ظنّوا أن الإنترنت يوفر لهم غطاءً للإفلات من العقاب. لكن الوقاية تبقى أهم من العقاب. وعلى المجتمع أن يدرك أن حماية النساء في العالم الرقمي تبدأ من ثقافة استخدام آمن، ومن وعي الأسر، واهتمام المدارس والجامعات، ومسؤولية أولياء الأمور، والأهم: شجاعة الضحية في الإبلاغ. فكلما كان البلاغ أسرع، كانت المعالجة أكثر نجاحاً. وفي هذا اليوم العالمي، أؤكد أن العنف الإلكتروني ليس قدراً محتوماً، وأننا ماضون في تطوير أنظمة حماية رقمية، وتوسيع فرق الاستجابة، وإطلاق برامج توعية في مختلف المحافظات. كما سنستمر في تحديث البنية التشريعية لملاحقة كل من يستخدم التكنولوجيا كأداة للعدوان على المرأة. إن تمكين المرأة في العالم الرقمي ليس رفاهية، بل جزء من أمن المجتمع واستقراره. وعندما تشعر المرأة بالأمان على منصاتها وأجهزتها وبياناتها، فإنها تصبح أكثر قدرة على الإبداع والمشاركة والإنتاج. فلنعمل جميعاً، أمنيين ومواطنين ومؤسسات، على جعل الفضاء الإلكتروني مكاناً آمناً… ليس للمرأة فقط، بل لنا جميعاً. |