علي جاسب الموسوي في لحظة انقلب فيها ميزان التاريخ، خرج صوت واحد ليعيد صياغة الوعي ( وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ) تلك الآية لم تكن خطابا مجردا، بل كانت روح فاطمة الزهراء عليها السلام وهي تقف — شابة .. وحيدة .. مواجهة سلطة مكتملة لتقول للعالم إن الانحراف يبدأ من لحظة صمت .. وإن الحق يُنتزع حين يتكاسل أهله. لقد حملت الزهراء ع ما لا تحمله أمة كاملة، فخرجت بلسان القرآن، وبيان النبوة، وعزم لا يُقاس .. قالت في خطبتها الفدكية مخاطبةً من غصب الحقّ: ( أَفَعَلَى مِثْلِي تَفْتَرُونَ؟ وَإِلَى غَيْرِ سَبِيلِ الرَّسُولِ تَمِيلُونَ؟) فكان كلامها كشفا لجوهر السلطة، وهدما لشرعية الانقلاب، وتشخيصا مبكرا لصراع سيبقى مفتوحا بين الحق والباطل. كيف لا، وقد قال النبي صلى الله عليه واله فيها: ( فاطمة بضعةٌ مني، من آذاها فقد آذاني) ، وقال أيضا: ( يرضى الله لرضاها ويغضب لغضبها) .. تلك ليست مناقب؛ هذه صكوك حجة إلهية تختزنها امرأةٌ واحدة لتكون معيارا تُعرف به الشرعية، ومقياسا تُوزن به مواقف الأمم. فاطمة لم تكن تبكي فقدا… بل كانت تبكي دينا يُختطف .. ولم تكن تقف في باب المهاجرين والأنصار لتشكو، بل لتقيم الحجة: ( أَمَا كَانَ لِرَسُولِ اللَّهِ أَنْ يَمُوتَ وَأَنْتُمْ فِي شُغُلٍ دَارِ الدُّنْيَا؟) بهذا الوعي صنعت ثورة من نوع آخر: ثورة الكلمة التي تُسقط عروشا ، والصرخة التي تفضح التاريخ، والبصيرة التي تهزم الخداع. واليوم، في زمن يتشابه فيه الغاصبون وتتكرر فيه المؤامرات، نقف عند روح الزهراء لا لنرثي، بل لننهل: أن الحقّ لا يُحفظ إلا بالموقف، وأن الأمة التي تقرأ خطبتها… لا تركع. |