عباس سرحان جرت الانتخابات النيابية في العراق بانسيابية وهدوء ملحوظين، دون تسجيل خروقات تُضعف من نزاهتها. وقد تراوحت نسبة المشاركة بين 50 و55%، وهي نسبة مثالية في ظل حملة إعلامية شرسة هدفت إلى ثني المواطنين عن التصويت والطعن بالعملية السياسية. من أبرز المشاهدات التي لفتت الانتباه، النضج الذي أبداه الناخبون، إذ احترموا خيارات بعضهم داخل المراكز الانتخابية، رغم اختلاف القوائم، وخرجوا بروح ودية تعكس وعيًا ديمقراطيًا متقدمًا. حتى المقاطعين، رغم أن موقفهم لا يخدم الصالح العام، قوبلوا بتفهم باعتبار أن الانتخاب حق شخصي لا يُفرض بالقوة. ولكن يمكن تسجيل ملاحظتين مهمتين: الأولى تتعلق بتشتيت الأصوات، حيث اختار بعض الناخبين مرشحين، رغم محدودية حظوظهم الواقعية، مما أضعف فرص قوائم قوية اخرى بتعزيز موقعها الانتخابي بمقاعد اضافية. الثانية تخص الخطاب الإعلامي، إذ خاضت الكتل الشيعية الانتخابات بخطاب وطني متزن، بعيد عن الطائفية، خلافًا لبعض القوائم السنية التي تبنّت خطابًا طائفيًا صارخًا. ويُحسب للقوائم الانتخابية أنها ابتعدت عن الإفراط في الوعود، لكن ذلك لا يعفيها من مسؤولية التصدي لمشاكل البلد وإيجاد الحلول الواقعية لها. أما ما حدث في بعض مناطق بغداد من تعدٍ محدود على مركز أو مركزين انتخابيين، فكان تصرفًا فرديًا غريب الدوافع والانتماء، لا يعكس الصورة العامة للمشاركة الواسعة. في المحصلة، العراق يسير بثبات نحو النضج السياسي، وشعبه بات أكثر وعيًا وقدرة على التمييز بين الحملات التضليلية والواقع. ولو أُتيح للعراقيين العمل دون تدخلات خارجية ومؤامرات إفشال، ولو ارتقى السياسيون الذين تعاقبوا على الحكم الى مستوى أكبر من مسؤولية البناء، ومحاربة الفساد، لأمكن تشييد تجربة ديمقراطية رائدة في المنطقة. |