قاسم الغراوي تعقيب على مقال الكاتب حاتم حسن علي حول الوعي العالمي ومأساة غزة في خضمّ ركام الحرب على غزة، وبين صرخات الأطفال وصمت المؤسسات العربية، كتب الكاتب حاتم حسن علي مقالًا بالغ العمق أضاء فيه على الفارق الصارخ بين الوعي الإنساني العالمي وبين الغيبوبة الثقافية العربية، مستعرضًا حجم التفاعل الشعبي الغربي مع المأساة الفلسطينية، في مقابل الصمت العربي الذي لم يتجاوز بعض التظاهرات الخجولة أو البيانات الباردة. لقد أصاب الكاتب كبد الحقيقة حين أشار إلى أن ما شهدته العواصم الأوروبية والأميركية الجنوبية من تظاهرات تضامنية مع غزة لم يكن مجرد موقف سياسي، بل تعبير عن وعي ثقافي متجذّر في قيم العدالة والحرية والكرامة الإنسانية. هذا الوعي لم يُولد في لحظة، بل هو ثمرة تراكم ثقافي طويل رسّخ فكرة أن الإنسان هو القيمة العليا مهما كان انتماؤه أو دينه. في المقابل، تساءل الكاتب بأسى عن سبب غياب الموقف العربي — الشعبي والثقافي — من هذا المشهد الأخلاقي، وكأن العرب، الذين أنزل الله فيهم كتابًا جعل من نصرة المظلوم فريضة، قد تراجعوا إلى موقع المتفرّج أو اللامبالي. أين الأدب العربي الذي كان يومًا ما لسان المقهورين؟ أين الكلمة التي كانت تُشعل الثورات وتوقظ الوعي؟ لقد غاب صوت المثقف العربي في زمنٍ كان يفترض أن يدوّي فيه أقوى من الرصاص. ثم جاءت الجملة الخاتمة في مقال حاتم حسن علي لتضع النقاط على الحروف: “لقد دمرتَ غزة، لكنك خسرتَ العالم.” هذه العبارة المنسوبة إلى ترامب ليست مجرد تعليق سياسي، بل خلاصة التحول في الضمير الإنساني العالمي. فالعالم اليوم بدأ يُدرك أن القوة العسكرية لا تبرر الوحشية، وأن الدم الفلسطيني الذي سُفك ظلماً صار مرآة تكشف زيف “الديمقراطيات الغربية” التي صمتت طويلًا. نعم، لقد دمّرت إسرائيل البيوت والأجساد، لكنها خسرت الرأي العام الدولي، وخسرت قدرتها على تسويق كذبتها القديمة. أما العرب، فقد خسروا شيئًا أثمن: خسروا صوتهم، وذاكرتهم، وأدبهم الحرّ. إنّ مقال حاتم حسن علي ليس مجرد تحليل ثقافي، بل صرخة ضمير تدعونا لأن نعيد الاعتبار للثقافة كفعل مقاومة، وللكلمة كمسؤولية، لا كترفٍ لغوي. فما حدث في غزة لم يكن مأساة الفلسطينيين وحدهم، بل امتحانًا للإنسانية جمعاء — والعرب كانوا، للأسف، الأبعد عن النجاح فيه. لقد صدق الكاتب في خلاصته الضمنية: إن العالم اليوم يستعيد وعيه، بينما نحن ما زلنا نبحث عن ذاكرتنا. • حاتم حسن علي كاتب وباحث في الشان الثقافي والفكري ومترجم. |