قاسم الغراوي حينما تحدث الرئيس الكوبي الراحل فيدال كاسترو قبل أكثر من ستة عقود عن حقيقة الانتخابات الأمريكية، وضع إصبعه على جوهر السياسة الأمريكية: لا فرق بين الجمهوري والديمقراطي عندما يتعلق الأمر بالمصالح الاستراتيجية الكبرى، وعلى رأسها دعم الكيان الصهيوني. تشبيه كاسترو بــ”الحذاءين في قدم واحدة” لم يكن مجرد استعارة بل توصيف دقيق لبنية النظام السياسي الأمريكي الذي يتحرك ضمن إطار واحد تحكمه اللوبيات الصهيونية، بينما يختلف الأسلوب باختلاف الواجهة الحزبية. منذ نشأة الكيان الصهيوني عام 1948، كانت الولايات المتحدة أول دولة تعترف به، ثم أصبحت حاميته الدائمة، سياسياً وعسكرياً واقتصادياً. هذا الدعم لم يتغير مع مرور الزمن، بل ازداد قوة كلما تصاعدت جرائم الاحتلال بحق الشعب الفلسطيني. فمهما كثرت الإدانات الدولية في مجلس الأمن أو الجمعية العامة للأمم المتحدة، كان الموقف الأمريكي هو الحاجز الدائم أمام أي عقوبة أو إدانة حقيقية، عبر استخدام “الفيتو” أكثر من 40 مرة لحماية “إسرائيل” من المحاسبة. لقد قدّمت واشنطن للكيان الصهيوني مساعدات مالية وعسكرية تتجاوز مئات المليارات من الدولارات، إلى جانب تفوق نوعي في السلاح والتكنولوجيا، بما يضمن استمرار الاحتلال وتفوقه على جيرانه. وفي الوقت نفسه، تغضّ الطرف عن الاستيطان، وجرائم الحرب، وحصار غزة، والاغتيالات، والتطهير العرقي في القدس والضفة الغربية، بل وتعتبر هذه الجرائم “حقاً في الدفاع عن النفس”. إن الإشكالية الكبرى ليست في ازدواجية المعايير الأمريكية فقط، بل في كونها تعترف علناً بأنها لن تسمح بصدور أي قرار دولي يقيّد حركة “إسرائيل”. وهذا ما يفسر العجز المزمن للمجتمع الدولي عن فرض أي التزام على الكيان الصهيوني، رغم عشرات القرارات الصادرة عن مجلس الأمن والجمعية العامة. الولايات المتحدة لا تنظر إلى “إسرائيل” كحليف عادي، بل كامتداد استراتيجي لمصالحها في المنطقة. فهي القاعدة العسكرية المتقدمة، والمخلب السياسي الذي يضمن بقاء الشرق الأوسط في حالة عدم استقرار دائم، بما يتيح استمرار الهيمنة الأمريكية ونهب الثروات. ومن هذا المنطلق، لا يمكن التعويل على أي رئيس أمريكي – سواء جاء من الحزب الجمهوري أو الديمقراطي – لإحداث تغيير جوهري في هذا الموقف. إن موقف الولايات المتحدة الداعم للكيان الصهيوني هو موقف بنيوي راسخ في صميم سياساتها، ولا يرتبط بشخص الرئيس أو الحزب الحاكم، بل بجوهر المنظومة التي ترى في “إسرائيل” شريكاً استراتيجياً لا غنى عنه. لذلك، فإن كل الجرائم والانتهاكات التي يرتكبها الاحتلال لن تجد في واشنطن سوى الغطاء والدعم، في تحدٍّ سافر للقوانين الدولية، وإمعان في تكريس منطق القوة على حساب العدالة والحقوق الإنسانية. |