الدكتور ليث شبر من يقرأ القوائم التي نشرتها المفوضية العليا المستقلة للانتخابات سيصاب بالصدمة العنيفة. ففي التقرير الرسمي نجد أن بعض المرشحين متهمون بالقتل ثلاث مرات، إضافة إلى سلسلة جرائم أخرى: القتل العمد، الاحتيال، التحرش الجنسي، السرقة، التزوير، والفساد المالي والإداري. هذه ليست شائعات انتخابية أو تصفيات حزبية، بل بيانات موثقة من المفوضية نفسها، ما يجعلنا أمام مشهد غير مسبوق في صراحته وخطورته. لكن الحقيقة الأعمق هي أن هؤلاء ال ٦٨ المتهمين ليسوا سوى عينة مكثفة من واقع أكبر بكثير. فنحن أمام مايقرب من ثمانية آلاف مرشح في عموم العراق، تسعين بالمئة منهم – إن لم يكن أكثر – يدخلون السباق الانتخابي بدوافع لا علاقة لها بخدمة الناس أو حماية الدستور، بل بحثًا عن رواتب ضخمة، سيارات مصفحة، مكاتب فخمة، جوازات دبلوماسية، امتيازات مفتوحة، وحصانة برلمانية ومناصب وابتزاز ومعقبي معاملات . بلا شك فالمسؤولية لا تتوقف عند كشف الأسماء، بل يجب أن تمتد إلى محاسبة التحالفات والقوائم الحزبية التي رشحت هؤلاء، مع الإعلان الصريح عنهم أمام الرأي العام، حتى يعرف الناخب من الذي يفتح أبواب البرلمان للمتهمين وأصحاب السوابق. كما ينبغي فرض كشف مالي إلزامي لكل مرشح، مع تطبيق قاعدة “من أين لك هذا؟” قبل السماح له بخوض الانتخابات، إضافة إلى مراقبة دقيقة لمصادر تمويل الدعاية الانتخابية ومساءلة رؤساء التحالفات عن أي أموال مجهولة المصدر فلم يبق أحد لم يتحدث عن المليارات التي يتم ضخها في السوق الانتخابي. إن استعادة المعنى الحقيقي للتمثيل النيابي تبدأ من إعادة تعريف المنصب نفسه وتنظيفه من الموبقات. وأولها إلغاء جميع الامتيازات بلا استثناء: الرواتب المبالغ بها، السيارات المصفحة، المكاتب الفخمة، الجوازات الدبلوماسية، المخصصات المفتوحة. وثانيها إلغاء الحصانة البرلمانية في جميع القضايا الجنائية والمدنية، إلا فيما يتعلق حصراً بحرية التعبير عن الرأي داخل قبة البرلمان. وثالثها الرقابة المالية المشددة وفرض سقف صارم لحملات الإنفاق الانتخابي، حتى لا يتحول الترشح إلى مزاد علني. أما إذا بقيت القواعد كما هي، فسنستمر في إعادة إنتاج نفس آليات الفشل والفساد التي أوصلت العراق إلى هذا المأزق السياسي والأخلاقي. فلا تغيير حقيقي ما لم تُكسر حلقة الامتيازات، ويُسقط الغطاء المالي والحزبي عن المرشحين، وتُخضع العملية الانتخابية لمعايير النزاهة الصارمة لا لموازين التحالفات والمصالح. فالسياسة ليست تجارة امتيازات، ومن يرشح نفسه ليمثل الشعب يجب أن يدخل السباق بعينين على المصلحة العامة، لا على المصالح الخاصة. أما إذا بقيت الامتيازات كما هي، فإن كشف المفوضية عن ٦٨ متهما ليس سوى رأس جبل الجليد، وما يختبئ تحته أكبر بكثير وأخطر. |