ناجي الغزي الانتهازية والمنفعة الشخصية ظاهرة اجتماعية تعكس واقع البراغماتية في سلوك الأفراد والجماعات، حيث تُقدَّم المصلحة الذاتية أو الفئوية على المبادئ والقيم الثابتة. يتجلى هذا السلوك في تبدل المواقف، والانحياز السريع إلى قوة السلطة أو المنفعة الشخصية ، مما يكشف عن هشاشة الالتزام الأخلاقي لدى البعض حين يُختبر الضمير بالربح والخسارة. في العراق، كما في المجتمعات العربية الأخرى التي تعاني من ضعف المؤسسية وغياب معايير العدالة وتكافؤ الفرص، تتجلى ظاهرة “التمحور حول المنصب” بشكل صارخ. فعندما يصل شخص ما إلى موقع رفيع في الدولة أو الحزب أو المؤسسة، سرعان ما يتحول إلى مركز جذب اجتماعي، يلتف حوله الأقرباء، والأصدقاء القدامى، والمجهولون على حد سواء، حاملين عبارات التزلف والولاء، لا حباً به، بل طمعاً في منفعة أو خدمة أو وساطة. من أبرز المظاهر الاجتماعية التي ترافق صعود أي شخص إلى منصب رفيع في العراق، حيث تفرز البيئة السياسية والاجتماعية شبكة من المنتفعين والانتهازيين، يتقنون فن التزلف وتلميع الصورة، لا عن قناعة، بل طمعاً في حظوة أو منفعة. هؤلاء لا يكتفون بالمبالغة في المديح، بل يمارسون دوراً تخريبياً أعمق: يبعدون الصادقين، ويقصون الناصحين، ويقربون الوصوليين الذين يتقنون تزييف الحقائق وتجميل القبيح تغذية هذه الظاهرة لا تقتصر على الطبقة السياسية وحدها، بل يشارك فيها المجتمع من خلال ثقافة “القرب من النفوذ” التي تُقدَّم على الكفاءة والنزاهة. والنتيجة، أن كثيراً من أصحاب المناصب يُحاطون ببطانة تُغرقهم في الوهم، وتدفعهم إلى قرارات تضر بالمصلحة العامة، فينهار الأداء، وتُهدر الفرص، ويُستبدل البناء بالهتاف، والنقد البناء بالتصفيق الأجوف هذا السلوك الاجتماعي يكشف عن خلل عميق في الثقافة السياسية والاجتماعية، حيث تُقاس قيمة الإنسان ليس بكفاءته المعرفية أو أخلاقه، بل بما يملك من سلطة ونفوذ. ويتحول المنصب إلى بوابة للامتيازات لا وسيلة للخدمة العامة، وتتحول العلاقات إلى صفقات مغلّفة بالمجاملات.. |