كاظم الطائي في خضم التحول اللافت في موازين القوى الإقليمية والدولية، وعودة الحراك السياسي بين طهران وواشنطن، وظهور دور خليجي متزايد، يبرز التساؤل حول موقع العراق في هذه المعادلة المتغيرة: هل هو لاعب حقيقي، أم مجرّد ساحة لتصفية الحسابات الإقليمية والدولية؟ الواقع يفرض قراءة واقعية، قد تكون قاسية لكنها ضرورية. فالعراق، ورغم تاريخه السياسي وثقله الجغرافي والبشري، يبدو اليوم خارج دائرة التأثير الحقيقي. لا لأنه لا يملك المقومات، بل لأنه لم ينجح في تحويل مقوماته إلى أدوات ضغط أو مبادرة. معطيات تؤكد: العراق ليس غائبًا… لكنه ليس حاضرًا بقراره لا يمكن القول إن العراق “غائب” كليًا عن المشهد، لكنه حاضر بصيغة “الساحة”، وليس “اللاعب”. فما يجري داخله من مناكفات سياسية، وتشتت إداري، وتراجع اقتصادي، وتهور في الأداء السياسي، يؤكد أن القرار العراقي لا يُنتج في الداخل، بل غالبًا ما يُصاغ خارجه ويُفرض عليه. الأطراف السياسية داخليًا مشغولة بصراعات سلطوية لا بمشروع وطني جامع، والتمثيل السياسي لا يعكس إرادة الشعب الحقيقية، بل هو تمثيل شكلي مفرغ من المضمون، ما يدفع المواطنين إلى حالة مستمرة من الإحباط واللا ثقة. فوضى داخلية… وانعكاساتها على الموقع الدولي العشوائية في إدارة الدولة، وضعف مؤسساتها، والتخبط الاقتصادي، كلها عوامل تجعل العراق عُرضة للتأثير الخارجي أكثر من كونه قادرًا على التأثير. الأخطر من ذلك أن هذا الوضع يُغذي تصوّرًا دوليًا بأن العراق ساحة نفوذ مفتوحة لمن شاء، وليس طرفًا يستوجب التفاوض معه. حتى في المفاوضات الإقليمية الكبرى، نجد العراق يُستثنى من المبادرات السياسية الكبرى أو يُدعى إليها في مراحلها الأخيرة كمتفرّج، لا كمُصمّم للاتفاقات أو شريك في بلورة الرؤى. غياب الوعي السياسي الشعبي… عائق أمام بناء القرار المستقل أحد أبرز العوائق أمام تحوّل العراق إلى لاعب مستقل هو ضعف الوعي السياسي الجمعي، الناتج عن تراكمات عقود من الصراع والانقسام، وغياب المشروع التربوي والإعلامي الذي يصنع مواطنًا مدركًا لأهمية صوته ومشاركته في صياغة القرار. في ظل هذا الغياب، لا تتولد إرادة سياسية وطنية، بل تتجذر التبعية، ويُعاد إنتاج النخب نفسها التي تُدير البلاد بعقلية الفئة لا الدولة، والمكاسب لا المصالح العليا. ما الذي ينقص العراق لينهض بدوره؟ إصلاح داخلي حقيقي يبدأ من إعادة بناء مؤسسات الدولة على أسس مهنية ووطنية. تحقيق مصالحة سياسية حقيقية تُنهي حالة المناكفة وتؤسس لعمل سياسي مشترك. استعادة ثقة الشعب من خلال تمثيل صادق وفعّال يعكس مصالح العراقيين لا مصالح الأحزاب. استقلال القرار السياسي بالتحرر من المحاور والضغوط، وبناء علاقات متوازنة مع الجميع. خلاصة القول العراق لا يفتقر إلى الموقع ولا إلى الموارد، بل إلى الإرادة الجامعة والقرار المستقل. وبينما تعيد المنطقة ترتيب أوراقها وتشكّل توازنات جديدة، يبقى العراق بحاجة إلى نهوض داخلي يعيد له دوره الطبيعي، لا كساحة عبور للصراعات، بل كمركز تأثير إقليمي يفرض احترامه ويصنع توازنه بيده. |