الصقيع في بيروت قد يكون الأشد منذ بدء الشتاء، لكن ذلك لم يشكل فارقاً لدى محبي زعيم حزب الله السابق حسن نصر الله، وأعادت أرض بيروت “الوديعة” إلى أهلها.. فالجثمان بقي شهوراً كأمانة لدى الأرض كما تنص التعاليم الدينية في مثل هذه الحالات، ورغم ضجيج إعلامي كبير سبق موعد التشييع وصل حتى إلى تلويح باستهداف المشيعين عبر حسابات إسرائيلية، يواصل الناس التدفق من مناطق الجنوب وبيروت ومدن أخرى نحو منطقة الغبيري القريبة من الضاحية الجنوبية حيث ملعب كميل شمعون الذي يستضيف مراسم التشييع، ويقول لبنانيون إن الاستعدادات ومواكب توزيع الطعام والعناية بالزوار ربما فاقت في كثافتها أيام عاشوراء التي يحييها لبنانيون أيضاً. وبسبب الزحام الكبير، يضطر الآلاف إلى ترك سياراتهم على بعد كيلومترات عدة، ويتجهون نحو الملعب سيراً على طريقة العراقيين في المشي إلى كربلاء كما شبّه بعض المعلقين، ويشارك مساندون عرب وأجانب في المراسم، بينهم من اليمن والأردن وفلسطين وحتى دول المغرب العربي إلى جانب الرادود البحريني البارز حسين الأكرف، ويقول مشارك مصري من التيار الناصري إن الحدث اللبناني في هذه الساعات لم يتكرر في المنطقة منذ أيام الرئيس المصري جمال عبد الناصر، وبقيت المشاركة العراقية محدودة اقتصرت على رئاسة وقيادة الحشد الشعبي وبعض المغردين والإعلاميين.وأثارت الأعداد الكبيرة حماس مساندي الحزب الذين استثمروا الحدث للمطالبة بتعديل قانون الانتخابات وتحويل لبنان إلى دائرة انتخابية واحدة للاستفادة من كل تلك الأعداد “المليونية” وربما زيادة نواب المكون الشيعي في البرلمان. لكن الحدث الكبير بقي خارج دائرة الإجماع الوطني كما يقول معارضون للنفوذ الإيراني في لبنان والمنطقة، وأعلنت فعاليات سياسية عديدة أنها لن تحضر التشييع كما امتنع الحزب أصلاً عن دعوة البعض، ويقول معارضون للحزب إن المبالغة بأعداد الحاضرين غير ممكنة لأن القدرة الاستيعابية للملعب وجواره هي معلومات متوفرة يمكن حصرها على نحو قريب من الدقة، ويتهم مقاطعو التشييع حزب الله بقائمة من القضايا على رأسها دوره في الحرب السورية الدامية التي انتهت إلى لا شيء حين سقط نظام البعث، إلى جانب اتهام الحزب أو أفراد منه بسلسلة اغتيالات بينها عملية تفجير موكب رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري ثم قائمة من الصحفيين المعارضين لنفوذ إيران كان آخرهم الصحفي لقمان سليم. ومنذ اغتياله في أيلول الماضي دُفن نصر الله بشكل مؤقت “وديعة لدى الأرض” كما تنص التعاليم الدينية، ريثما تنتهي الحرب ليتم استخراج جثمانه وتشييعه ثم دفنه اليوم، واعتبر بعض مناوئي الحزب ما يحصل اليوم أبعد من مجرد مراسم تشييع، بل “دفناً لمحور المقاومة وفكرته” ونهاية لحقبة طويلة ستقود إلى مسارات مستقبلية مختلفة، لكن مساندي الحزب يرون في حدث اليوم انبعاثاً لمحور المقاومة بعد سلسلة الضربات القاسية، ويوماً جديداً نحو مرحلة من “شد العصب” والتماسك واستعادة الثقة بالنفس.
|