علي جاسب الموسوي إن الغزو الثقافي الاستعماري الذي يعاني منه العالم الإسلامي اليوم هو تجسيد جديد للأطماع الاستعمارية التي لم تكتفِ بالاحتلال الجغرافي، بل استهدفت العقل والهوية.. هذا النوع من الغزو لا يستخدم الأسلحة التقليدية، بل يعتمد على أساليب أكثر خفية، تتسلل إلى الفكر والمعتقدات عبر وسائل الإعلام، والتعليم، والاقتصاد. أول أدوات هذا الغزو هي (الهيمنة الإعلامية) حيث تسعى القوى الاستعمارية لإنتاج وتوجيه خطابات إعلامية تخدم مصالحها، وتغذي مفاهيم الخنوع والتبعية .. من خلال القنوات الفضائية، والشبكات الاجتماعية، والمواقع الإلكترونية، تعمل هذه القوى على نشر ثقافة الاستهلاك، التفكك الاجتماعي، والابتعاد عن القيم الإسلامية المحمدية الأصيلة. أما (الثقافة التعليمية) فقد تم تحويل النظام التعليمي في العديد من الدول الإسلامية إلى أداة خادمة للمشاريع الغربية، تركز على تدريس نظريات فلسفية وفكرية تتناقض مع القيم الإسلامية. فالتعليم أصبح أداة لتحويل الأمة من عقيدتها إلى أفكار تهدم الأسس الثقافية، وتحرف مفاهيم الهوية. وفي (المجال الاقتصادي) تسعى القوى الاستعمارية إلى فرض نظم اقتصادية تكرس التبعية عبر الشركات متعددة الجنسيات، التي تحوّل البلدان الإسلامية إلى أسواق استهلاكية، وتضعف اقتصاداتها المحلية. أمّا في (السياسة) فقد استخدمت الاستعمار قوة (النفوذ) لتحريك الأنظمة الحاكمة وتنفيذ سياسات تخدم الأجندات الغربية، عبر دعم الأنظمة العميلة التي تروج لقيم الليبرالية والديمقراطية الغربية على حساب قيمنا الإسلامية. وفي هذا السياق، نجد أن أئمة أهل البيت عليهم السلام قد حذروا من هذه الأساليب الخفية .. فقد قال أمير المؤمنين عليه السلام في نهج البلاغة: (إن أخوف ما أخاف عليكم اثنان: اتباع الهوى وطول الأمل، فأما اتباع الهوى فيصد عن الحق، وأما طول الأمل فينسي الآخرة) (نهج البلاغة، الحكمة 154).. هذه الحكمة المباركة تُظهر أن أداة الغزو الثقافي هي (اتباع الهوى)، حيث يسعى المستعمرون إلى جذب الناس إلى متاع الدنيا على حساب الآخرة. لذلك إن مواجهة هذا الغزو الثقافي يتطلب وعيًا فكريًا، ومراجعة عميقة للثقافة الإسلامية الأصيلة، مع التمسكٍ بالأخلاق والقيم التي أكدت عليها تعاليم أهل البيت عليهم السلام .. يجب أن تكون أمتنا في وعي دائم بأن العدو لا يكتفي بالقوة العسكرية، بل يسعى لتحطيم العقول والقلوب. |