ضياء السراي تشهد الحدود اللبنانية-الإسرائيلية منذ أيام تصاعدًا في الاشتباكات بين حزب الله والجيش الإسرائيلي بعد عملية اغتيال سيد المقاومة الشهيد حسن نصر الله، وسط تغيرات ملموسة في موازين القوى، حيث تكشف المعركة الحالية عن معادلة جديدة تؤثر على التخطيط العسكري الإسرائيلي وعلى الاستراتيجية الأمنية لحكومة نتنياهو. وبالرغم من ان إسرائيل تبدو متفوقة عسكريًا من حيث التكنولوجيا والغطاء الجوي، إلا أن حزب الله أثبت قدرته على التعامل مع هذه الظروف الصعبة من خلال تكتيكات مبتكرة لم تكن بحسبان قادة الحزب في الكيان الغاصب، يضاف اليها عزيمة مقاتلي حزب الله والتنظيم الاحترافي الذي يعتمده في ميدان المعركة. التطورات الميدانية: وفقًا لتقارير ميدانية، فقد أطلقت المقاومة الإسلامية حزب الله ما يقارب 600 صاروخ من جنوب لبنان باتجاه الأراضي المحتلة خلال أربعة أيام من الاشتباكات، مما أخلّ بحسابات الجيش الإسرائيلي وفرض عليه إعادة تمركز قواته وبناء خططه لحيثيات مواجهة تختلف تماما عما توقع ورسم من تصورات عنونها «اعادة مستوطني الشمال» وما أعلنه نتنياهو « تغيير خارطة الشرق الأوسط». حتى اليوم استخدمت إسرائيل ست فرق عسكرية في هذه المواجهة، وهي فرق تفوق بأعدادها الفرق المستخدمة في حرب 2006، إلا أن التقدم الإسرائيلي على الأرض كان محدودًا جدًا بسبب تكتيكات حزب الله المحكمة. العمليات العسكرية الإسرائيلية التي ركزت على الضربات الجوية المكثفة على مواقع حزب الله، هدفت إلى استعادة ماء الوجه أمام الجمهور الإسرائيلي، كما جاء في تصريحات الحكومة الإسرائيلية. لكن الرد السريع والقوي من قبل حزب الله أظهر مدى استعداد المقاومة لهذه المعركة، فقد استطاعوا الحفاظ على تنظيمهم العالي وسط الضربات الجوية المستمرة القائمة على بنك معلومات استخباراتي يهودي تم جمعه على مدى ١٠ سنوات تقريبا. التأثير الإعلامي والتحكم الرقمي: تلعب وسائل الإعلام العالمية دورًا مهمًا في تشكيل الرأي العام تجاه الصراع الدائر في المنطقة، وتُظهر الأحداث الجارية محاولة واضحة لتأطير المعركة لصالح إسرائيل، وصناعة فقاعات رقمية تغلف وعي الجمهور لتقوده نحو قناعات تم تصميمها قبل بدء المعارك. ومع ذلك، فإن الفضاء الرقمي لم يعد قابلًا للتلاعب الكامل كما كان سابقًا، إذ تظهر بعض التقارير أن الخوارزميات التي تستخدمها منصات التواصل الاجتماعي تفشل في قمع الأصوات المعارضة أو تلك التي تدعم المقاومة. على الرغم من ذلك، لا يزال التأثير الإعلامي الغربي يقف إلى جانب إسرائيل في أغلب الأحيان، مما يثير تساؤلات حول مستقبل الحرب الإعلامية بالتوازي مع الحرب العسكرية، سيما وان الدول العربية التي ترغب بروية انهيار محور المقاومة تدعم هي الأخرى غسيل الأدمغة الرقمي لصالح محور الخصوم. التحليل العسكري والسياسي: بالرغم من الفجوة الكبيرة في القدرات العسكرية بين الطرفين، إلا أن حزب الله أثبت أنه يمتلك ميزة تكتيكية أساسية في هذه المعركة، الروح القتالية والعقيدة القوية، والتنظيم الغالي والانضباط رغم ما مر به من ظروف. مع انهيار الخطط الإسرائيلية لاجتياح جنوب لبنان أو حتى فرض السيطرة الجوية الكاملة، يبدو أن التكتيكات التي يعتمدها مقاتلو حزب الله تتفوق على التكنولوجيا العسكرية الإسرائيلية المتطورة. الفارق هنا ليس في الأسلحة، بل في الإصرار والتصميم، حيث تتميز المقاومة الإسلامية لعناصر حزب الله بعقيدة قتالية تركز على التضحية والاستشهاد، وهي عنصر حاسم يُظهر تفوقًا نفسيًا وعقائديًا واضحًا على جنود الجيش الإسرائيلي. الدعم الدولي والإقليمي: يعد الدعم المالي والعسكري المفتوح لإسرائيل من قبل دول غربية عاملاً محوريًا في استمرار قدرتها على الحفاظ على التفوق العسكري في النزاع. ورغم هذا الدعم، فإن هناك تغيرات طفيفة في مواقف بعض الدول التي بدأت تدعو إلى ضبط النفس وإيجاد حلول سياسية للأزمة، خصوصًا مع تنامي الضغوط الإنسانية وتفاقم الأوضاع في قطاع غزة ولبنان. وقد استوعب الدرس محور المقاومة، فكلما نادى معسكر الغرب وعلى رأسه أميركا وفرنسا بالتهدئة، تاتي بعده عاصفة اغتيالات. مستقبل المعركة وتداعياتها: في ضوء الفشل النسبي للخطط الإسرائيلية، والتصعيد المستمر في العمليات العسكرية، يمكن القول إن المواجهة الحالية ستؤدي إلى إعادة تقييم استراتيجيات الأطراف المختلفة. فبعد ان فرض حزب الله من خلال أدائه الميداني واقعًا جديدًا يتحدى السردية التقليدية التي تصور إسرائيل كقوة لا تقهر في المنطقة، قد تتدخل عوامل اخرى غير متوقعة في اجبار المقاومة على العودة لما قبل اغتيال نصر الله. على جانب آخر فإن المطاولة والصمود على حدود الجنوب اللبناني سيدفع الحكومة الإسرائيلية إلى البحث عن حلول تفاوضية، خصوصًا في ظل الخسائر المتزايدة والضغط الداخلي. مما لاشك فيه ان الاشتباكات بين حزب الله وإسرائيل حاليا أسهمت في تشكيل واقع جديد للصراع في المنطقة، ولعبت التكتيكات العسكرية والعمليات الإعلامية دورًا كبيرًا في تحديد مسار المعركة وإن الصمود والمقاومة التي يبديها حزب الله تثبت أن المعركة لم تعد تعتمد فقط على الأسلحة المتطورة، بل على الروح القتالية والتنظيم المحكم. |