السيد بلال وهبي جواهر عَلَويَّةٌ رُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: “لِلأَحْمَقِ مَعَ كُلِّ قَوْلٍ يَمينٌ” واحدة من صفات الأحمق لجوئه إلى الحَلْف مع كل قول وفي كل واقعة، الأمر الذي يفيد أنه يفتقر إلى الثقة بنفسه، أو يخشى ألا يصدقه الآخرون، أو لعلمه أن كثيراً مما يخبر عنه قد لا يكون حقيقياً، فيلجأ للتعويض عن ذلك بالحلف واليَمين. ومعلوم أن اليمين لا يلجأ إليه المرء إلا في الحالات القصوى التي يضطر فيها لإثبات حقه، أو دَرءِ تهمة عنه، ولا يحلف على الصغيرة والكبيرة إدراكا منه أن هذا النحو من العادة يسلب ثقة الناس به، لأن الاكثار من ذلك يدعو إلى الريبة في أقواله، ويدرك أيضا أن ثقة الناس به يجب أن تبتني على اعتيادهم على صدقه وأمانته وتحرُّجه من الكذب والخداع، الحلف لا يبني ثقة، جُلُّ ما في الأمر أنه يثبت حقاً أمام القاضي الذي يقضي بين المتخاصِمَين بالبينات والأَيْمان، ولذلك قد يكون حكمه ظاهرياً غير واقعي، هذا ما يفيده اليمين، الثقة تبتني على تطابق الواقع مع الأقوال، تطابق الدعوى مع الواقع، فإذا اعتاد الناس على صدق الرجل فيما يقول محضوه الثقة من دون يمين. إن القرآن الكريم ذَمَّ كثيرَ الحَلف واعتبره مَهيناً في الناس فقال: “وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ”﴿10/ القلم﴾ ولا يكثر الحلف إلا إنسان غير صادق، يدرك أن الناس يكذبونه ولا يثقون به، فيكثر من الحلف، بل يحلف على الصغيرة والكبيرة ليداري كذبه، ويستجلب ثقة الناس، وهذا من شعوره بالهوان على الآخرين، فلا هو يحترم نفسه ولا هم يحترمونه، وآية مهانته حاجته إلى الحلف وعدم ثقته بنفسه وعدم ثقة الناس به. ونهى الله تعالى عن الإكثار من الحلف فقال: “وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُــــوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴿224/ البقرة﴾ فالآية الكريمة تنهى عن جعل الحلف واليمين مانعاً للمرء من البر والتقوى والإصلاح بين الناس، وذلك بأن يقول: حلفت ألا أفعل كذا وكذا، فيبرر لعد قيامه بالواجب بأنه قد حلف، وقد يكون المعنى أن يلجأ الشخص إلى الحلف عند الصغيرة والكبيرة وهذا المعنى الذي نستشهد به لما سبق، وقد رُوِيَ عن رسول الله (ص) أنه قال: “يا عليُّ، لا تَحْلِفْ باللَّهِ كاذِباً ولا صادِقاً مِن غَيرِ ضَرورَةٍ، ولا تَجْعَلِ اللَّهَ عُرْضَةً ليَمينِكَ؛ فإنّ اللَّهَ لا يَرحَمُ ولا يَرعى مَن حَلفَ باسمِهِ كاذِباً” وجاء عن الإمـــــام الصادق (ع) أنه قال: “لا تَحْلِفوا باللَّهِ صادِقينَ ولا كاذِبينَ؛ فإنّهُ عزّ وجلّ يقولُ: (ولا تَجْعَلوا اللَّهَ عُرْضَةً لأيْمانِكُم)”. |