السيد بلال وهبي رُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: “لَنْ يَفُوزَ بِالْجَنَّةِ إِلاَّ السّاعي لَها” العيش في الجَنَّة أعلى وأسمى رغبات الإنسان، حتى أولئك الذين ينكرون الحياة الآخرة وجنَّتها يرغبون بالعيش في جنان الدنيا، والجَنَّة هي المكان الذي لا تعب فيه ولا نصب، ولا ضيق ولا نكد، ولا فقر ولا مرض، ولا عداوات ولا صراعات، والجَنَّة هي المكان التي يكون فيها أرغد العيش وأهنأه، فيها ما تشتهي الأنفس وتلَذُ الأعين، هكذا يخالها الإنسان، وهكذا يريدها ولو كانت جَنَّة دنيوية، وهكذا هي حقيقتها في الآخرة بل هي أعظم من أن توصَف، وإن كان القرآن قد قَدَّم لنا مشاهد عديدة منها، لكن عقولنا تبقى قاصرة عن إدراك كُنه ما عرضه، لأننا نقيسها على ما نعرفه في الدنيا، والدنيا وجميع ما فيها محدود لا يقاس بالآخرة، فكل ما نراه هنا ونشاهده ونحُسُّه لا يُقاس على جَنَّة الآخرة، وقد نُبَّه رسول الله (ص) إلى هذا فيما رُوِيَ عنه: “فِيها مَا لا عَيْنٌ رَأَتْ وَلا أُذُنٌ سَمِعَتْ وَلاَ خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ”. إذاً: معظم البشر يرغبون في الجنة وما فيها من نعيم مُقيم، إلا صِنف خاص منهم تسمو رغباتهم فوق تلك الرغبة، إذ يجدون جنتهم الحقيقية في رضا الله ورضوانه، وهذا هو الفَوز العظيم، وقد جاء ذلك في مناجاة سيَّد الساجدين وقطب العارفين الإمام زين العابدين (ع) حيث يقول: “فَيا مَنْ هُوَ عَلَى الْمُقْبِلينَ عَلَيْهِ مُقْبِلٌ، وَبِالْعَطْفِ عَلَيْهِمْ عائِدٌ مُفْضِلٌ، وَبِالْغافِلينَ عَنْ ذِكْرِهِ رَحيمٌ رَؤوفٌ وَبِجَذْبِهِمْ إلى بابِهِ وَدُودٌ عَطُوفٌ، أَسْاَلُكَ أَنْ تَجْعَلَني مِنْ أَوْفَرِهِمْ مِنْكَ حَظّاً، وَأَعْلاهُمْ عِنْدَكَ مَنْزِلاً، وَأَجْزَلِهِمْ مِنْ وُدِّكَ قِسْماً، وَأَفْضَلِهِمْ في مَعْرِفَتِكَ نَصيباً، فَقَدِ انْقَطَعَتْ إِلَيْكَ هِمَّتي، وَانْصَرَفَتْ نَحْوَكَ رَغْبَتي، فَاَنْتَ لا غَيْرُكَ مُرادي، وَلَكَ لا لِسِواكَ سَهَري وَسُهادي، وَلِقاؤُكَ قُرَّةُ عَيْني، وَوَصْلُكَ مُنى نَفْسي، وَإِلَيْكَ شَوْقي، وَفي مَحَبَّتِكَ وَلَهي، وَإِلى هَواكَ صَبابَتي، وَرِضاكَ بُغْيَتي، وَرُؤْيَتَكَ حاجَتي وَجِوارُكَ طَلَبي، وَقُرْبُكَ غايَةُ سُؤْلي، وَفي مُناجاتِكَ رَوْحي وَراحَتي، وَعِنْدَكَ دَواءُ عِلَّتي وَشِفاءُ غُلَّتي، وَبَرْدُ لَوْعَتي، وَكَشْفُ كُرْبَتي” السؤال الذي يفرض نفسه هنا: ما هي الجَنَّة الأخروية؟ قد يبدو السؤال غريباً بعد ما سبق وذكرته بداية هذه المقالة، وقد يقول القارئ الكريم الجَنَّة هي تلك البساتين والرياض والأنهار والقصور والزهور والحور والرياحين. أقول: صحيح، ولكن بالتوضيح التالي: هناك نظريتان بخصوص الجنة: نظرية تقول: إنَّ الجَنَّة وما فيها هي الثواب الذي يناله أهلها على أعمالهم، فالأعمال شيء والثواب شيء آخر، الأمر شبيه تماماً بما لو قام شخص بإصلاح سيارتك قارئي الكريم فتقوم أنت بإعطائه الأجرة المناسبة. والنظرية الأخرى تقول: إنَّ ما في الجَنَّة من نعيم مقيم ما هو إلا تجسّدٌ لما عملتَه في دنياك، فالعمل الصالح الذي عمِلتَه هنا هو ذاته يتجسَّد حقيقة أخرى في الجَنَّة، فالأمر شبيه بالتصميم الذي تُنجزه في الحاسوب ثم تُعطي أمراً للطابعة الثلاثية الأبعاد التي تقوم بدورها بطباعته وإخراجه من تصميم نظري إلى شيء فعلي، وهذا ما تدلُ طائفة من الآيات الكريمة لا يتسع إيجاز هذه المقالة لإيرادها. بناء على ما سبق، يتضح ما يجب علينا فعله كي نفوز بالجَنَة، فالفوز بها يتطلب السَّعيَ إليها بالعمل الصالح، الجنة لا يفوز بها إلا العامل الساعي إليها، فكل عمل يعمله وكل سعي يسعاه يتجَسَّد نِعمة من نِعَم جنته، وبعبارة أخرى: إن بناء الجنَّة يكون في الدنيا، هنا يبني المَرْءْ جنته بالأعمال الصالحة، أما ذاك الذي يُمَنِّي نفسه بها دون سَعْيٍ ودون عمل فلن يفوز بها، إنه ليأتي يوم القيامة فلا يجد شيئاً هناك. |