د.جواد الهنداوي خسرت إسرائيل كثيراً من مقبوليتها وشرعية وجودها لدى شعوب العالم و الرأي العام ،جرّاء ما ترتكبّه من جرائم حرب و ابادة في غزّة ،والتي تشاهدها الملايين على القنوات و على وسائل التواصل الاجتماعي. كذلك خَسِرَ العالم الرسمي ( دول ومنظمات أُمميّة و دوليّة وقوى كبرى ) مصداقية شرائعه و سردياته في مجال الحقوق والعدالة و الإنسانيّة. حين تلجأ الدول الكبرى والدول المجاورة لقطاع غزّة في اعانة شعب مُحاصر بالجوع والقصف والموت ، عن طريق رمي اكياس الغذاء جواً ، يعني ذلك انصياع ” العالم الرسمي ” لارادة اسرائيل ! يعني ذلك لا قرار فيما يجري في القطاع ،و امام مشاهد العالم ، الاّ قرار اسرائيل! حين يرى العالم المشاهد المختلفة والمتنوعة للموت و الاحتظار في غزّة ( الجوع ،المرض ،القصف ،الاغتيال ،تحت الأنقاض ) ، و مشاهد امتهان كرامة الإنسان ( تعريّة الغزاويين و تعذيبهم معنوياً و جسدياً ) ،يعني ذلك الإمعان في اذلال الإنسان الفلسطيني -والعربي -والمسلم . لجوء العرب و غيرهم إلى ” ألاغاثة الجوّية ” للمدنيين المُحاصرين في غزّة ، يعني عدم موافقة إسرائيل على تسيير قافلات مساعدة بريّة إلى قطاع غزّة ، و لإسرائيل غرض في ان يكون اطعام الأفواه الجائعة المُحاصرة في غزّة عن طريق صناديق تُلقى عليهم من السماء، و من قبل أشقاءهم في القومية والدين والتاريخ و الجغرافيّة . الغرض هو محاولة لاذلال الإنسان الفلسطيني و امتهان كرامة الإنسان العربي .الغرض هو اشهار تفوق العنصر الصهيوني على العنصر العربي و البشري والمسلم والمسيحي .الغرض هو اشهار تفوق الارادة الاسرائيلية على ارادة دول العالم ،وعلى ارادة الامم المتحدة و مجلس الامن . بث صور المجازر في غزّة عِبرْ فضائيات العالم ،و عِبرْ اليوتيوب يصّبُ في مصلحة إسرائيل كما يصّبُ في مضّرتها ؛ توظّفُ إسرائيل الحدث لإظهار قوة بطشها وعدم ترّددها عن ارتكاب ما لا يخطر على البال تجاه من يجرّأ على لدغها ، و إظهار مدى استخفافها بتنديدات وتصريحات العرب والدول والمنظمات الدولية . ومما يساعد إسرائيل على تحقيق ما تصبوا اليه ،و تماديها في ارتكاب المزيد من جرائم القتل والتجويع هو اطلاع ومتابعة العالم لهذه الجرائم ، وعدم قدرته ، دولاً و شعوباً و منظمات على منع اسرائيل او محاسبتها . بلْ ، ترى وتتابع إسرائيل كيف تبذل امريكا والدول الاوربية ودول عربية جهود سياسية و دبلوماسية واقتصادية من اجل إعانتها ،وتحقيق ما تصبو اليه ( إطلاق سراح أسراها ،و القضاء على حماس والمقاومة ) . أمران يجعلان إسرائيل تتمادى في الإجرام وتتفنّن في امتهان كرامة الإنسان : الاول ،ليس صمت او تقاعس دول العالم تجاه ما ترتكبه ، وانما تعاون ودعم بعض من هذا العالم الرسمي لها ،والامر الثاني هو أدراكها بمشاعر غضب و كُره شعوب العالم تجاهها ،فهي خسرت كل شئ،ولم يعد لديها ما تخسرهُ من قبحٍ وسوء لأفعالها ولدورها ، فلا تُبالي إن ارتكبت المزيد ثُمَّ المزيد من الجرائم ، و امتلاءها بهذا الشعور اللاإنساني،وإلهامها بهذا الفجور يقودها إلى ارتكاب اعتداءات اخرى ،و خاصة تجاه لبنان . تحاول إسرائيل طمس هزيمتها في ٧ تشرين الاول ( اكتوبر ) ومحي صور انتصار المقاومة من المشهد ،وفي نظر الشعوب والدول ، واستبدالهم بمشاهد البطش والقتل و الترويع ،بأعتبارها مشاهد قوّة و رّدْ اعتبار ،ولكن سوء العاقبة وقوة الحق أعميا بصيرة إسرائيل فأغفلت قلم التاريخ وما سيدوّنه عن هزيمتها وعن جرائمها في غزّة ، و أغفلت بأن كتابة التاريخ لم تعدْ حصراً للمنتصر ،وانما لتوثيقات وسائل التواصل الاجتماعي. المتابع و المتتّبع لجهود الوساطات الدولية والعربية يلاحظُ ،بوضوح ، الحرص على اسرى اسرائيل لدى حماس ،والذي لا يتجاوز عددهم ال ٢٠٠ شخص ، وقلّة او عدم اكتراثهم بما يقارب مليونين ونصف أسير محاصر و جائع في غزّة ! يلاحظُ ايضاً حرص الوفود والوساطات على أمن واستقرار ١٥٠ الف اسرائيلي تركوا منازلهم في شمال فلسطين ،و عدم اكتراثهم بمصير و أمن وسلامة ما يقارب مليونين فلسطيني ،مُعرضين للتهجير و القتل في غزّة . تتحدث وتتبنى هذه الوساطات مطلب ” وقف إطلاق النار ” ، و المطلوب و الاصح هو ” وقف جرائم الابادة والتجويع والقتل ” في غزّة ، وهذا ما قررته محكمة العدل الدولية ،حين طالبت إسرائيل باتخاذ ما يلزم لمنع جرائم الابادة . للعدالة وللإنصاف وللتاريخ ، يجبُ أن تحمل الجهود والوساطات الدولية عنوان ” منع جرائم الابادة والتجويع والقتل “، وليس وقف إطلاق النار . |