د. امل الأسدي تعد الدراما من أهم الوسائل التواصلية مع الجمهور، وأشدها تأثيرا؛ وذلك لأنها تدخل المنازل وتخاطب أفراد الأسرة بمختلف فئاتهم العمرية، ويتعلق المتلقي بها وبالمادة التي تُقدّم فيها، فيفرح مع فرح أبطال العمل، ويحزن لحزنهم، وتجد أعمالا كثيرة عصية علی النسيان علی الرغم من مرور عقود علی عرضها، ولاسيما المتلقي العربي، والجمهور العريي، إذ تهيمن الدراما المصرية علی ذاكرته الفنية في الغالب، مع وجود بعض الأعمال المحلية الخاصة بكل بلد، لكنها لاتصل إلی عدد الأعمال المصرية الراسخة في ذاكرته. ولايخفی علی أي متلق واع أو أي ناقد موضوعي بأن الدراما وموضوعاتها في تراجع مستمتر، فهي مرتبطة بالمجتمع، وكل تراجع يصيب المجتمع، يصيب الدراما أيضا، وبما أن بلداننا العربية عموما تعاني من غزو ثقافي رهيب، وتعاني من ضعفٍ في المنظومة القيمية، وخلخلةٍ في الهوية الثقافية؛ فنجد الأعمال الدرامية تعاني من الأمراض نفسها!! وإجمالا لم تعد الشاشة الصغيرة جامعة للأسرة كما في السابق باستثناء شهر رمضان الكريم الذي تم توظيفه واستغلاله بحسب ما تريده الماكنة الغربية، ليتحول الشهر الفضيل من أبرز ملمح عبادي للفرد المسلم إلی متجر لتسويق كل ماهو غريب وشاذ وبعيد عن الواقع، فيتم تضخيم السلبيات وتحويلها الی ظواهر، أو يتم صناعة أمراض وسلبيات ليس لها وجود في الواقع !! وهذا لايعني عدم وجود أعمال جيدة ومؤثرة تحافظ علی هوية المجتمع؛ ولكنها قليلة بإزاء الأعمال السيئة!! ونحن هنا نود التحدث عن أبرز حدث يعيشه المسلم وهو شهر رمضان الذي خصه الله تعالی بالفضل عن غيره، وينتظره المسلمون العام كله ليحتفوا بقدومه، ويستعدوا لصيامه وقيامه، نتحدث عن تمظهر هذا الشهر في الدراما العربية، الذي لم يأخذ الصدی المطابق للواقع، أو القريب منه!! ومع أننا نشخص وجود قاعدة في التلقي وهي: كلما كان العمل تلقائيا، عاكسا للواقع، كان ناجحا ومؤثرا! وكلما أقنعنا أبطالُ العمل أنهم ليسوا ممثلين؛ بل شخصيات تعيش واقعا معينا، كانوا مؤثرين، وكان عملهم ناجحا وراسخا في الذاكرة!! ومع ذلك لاتجد للشهر الفضيل تمظهرا دراميا يوازي الواقع الفعلي، ولاسيما في الدراما العراقية التي باتت بعيدة عن هوية العراقيين، باتت مستوردة ومعلبة، سطحية لاتصل الی عمق الشخصية العراقية، ولاتستثمر الوقائع المتفردة التي عاشها العراق في الأعم الأغلب! أما الأنموذج الذي اخترناه لموضوعنا فهو المسلسل المصري( الليل وآخره) الحلقة الأولی، إذ تناولت بالتفصيل حياة الأسرة خلال الشهر الفضيل، وفرحة الناس بقدومه، وتبادل التهاني بينهم، وركزت علی دور الأم في شهر رمضان، وقد جسدت هذا الدور الفنانة”هدی سلطان” وأبدعت في هذا التجسيد، فهي الأم المحبة لأولادها، الأم التي لاتكل ولاتمل من أجلهم، الأم التي تسعد برؤيتهم مجتمعين علی مائدة الإفطار، وبيّن العمل حرص الأبناء والأحفاد علی الاجتماع في الشهر الفضيل، والالتزام بالموعد، فهو موعد الأم التي لا تهنأ إلا إذا رأت أولادها!! ويبين المسلسل وبدقة عادات وتقاليد الأسرة في رمضان، وكذلك يبين بالتفصيل أنواع الأطعمة والمشروبات المقدمة في الشهر ويبين ـ أيضا ـ التكافل الاجتماعي وانتشار موائد الرحمن في الشهر الفضيل، وكذلك يعكس كرم الأسرة المسلمة ومحبتها، فقدم لنا صورة مشرقة وجميلة عن شهر رمضان وطقوسه الاجتماعية ومن ذلك تزيين الشوراع وتعليق الفوانيس والمصابيح، وقد أبدع الفنان”يحيی الفخراني” في تجسيد دور الأخ الكبير الذي يهمه اجتماع إخوته، ويفرح بهم وبقدومهم، ويريد لأبنائه أن يجتمعوا مع أعمامهم وأبنائهم. ناهيك عن تفاصيل كثيرة ورسائل مهمة قدمتها الحلقة، منها دور الكنة”سعاد نصر” وعلاقتها بأم زوجها وتفاعلها وفرحها بقدوم الشهر، وحثها لأولادها للجلوس مع أعمامهم!! مقارنة بزوجة المستشار(ماجدة) التي جسدت دور المرأة المتعالية علی أهل زوجها، المرأة التي تريد إبعاد بناتها عن أهلهم، ولاتريد لهم أن يتطبعوا بطباعهم وعاداتهم، إذ تأتي مرغمة للإفطار في اليوم الأول من شهر رمضان، وشخصية ماجدة باتت الشخصية الأكثر انتشارا في واقعنا الذي نعيشه، وهذه حال مؤسفة تعكس الفقر الإنساني والأخلاقي لكثير من النساء، وتعكس ضعف شخصية الزوج وتهوانه في أهم قضية، وهي قضية احترام أهله!! وبين هذا وذاك، وهذه وتلك قدم لنا يحيی الفخراني تحفةً فنية خالدة، ضمت رسائل كثيرة جدا، من بداية المسلسل إلی آخره!! وهنا نشخص الفرق بين عمل يعزز الهوية وآخر يسعی لخلخلتها! |