محمد عبد الجبار الشبوط تقام المواطنة على مفهوم الانتماء إلى دولة معينة وتحمل الالتزامات والحقوق التي تنبثق من هذا الانتماء. وتشمل الحقوق السياسية والمدنية والاجتماعية وغيرها. من ناحية أخرى، يُعد الدين والعقائد الشخصية جزءًا مهمًا من هوية الفرد وقد تشكل جزءًا أساسيًا من الثقافة والتقاليد داخل الدولة. لا يوجد تعارض بالضرورة بين هذين المفهومين. في دولة تُقدّر المواطنة القائمة على أساس الديمقراطية والمساواة، يتم احترام الحق في حرية العقيدة والدين كجزء من حقوق الإنسان. يشمل ذلك الحق في ممارسة الشعائر الدينية، وحماية الأماكن الدينية، والتعبير عن المعتقدات الدينية. في الواقع، يمكن لمفهوم المواطنة الشامل أن يعزز التنوع والتعددية داخل الدولة. وذلك من خلال الاعتراف بأن جميع المواطنين، بغض النظر عن اعتقاداتهم الدينية، لديهم نفس الحقوق ويجب أن يكونوا موضوعين لنفس الالتزامات القانونية. عند وضع القوانين والسياسات، يجب على الحكومات مراعاة التنوع الديني والثقافي لمواطنيها والعمل على حماية الحقوق الأساسية للجميع. يجب أيضًا أن تكون هناك آليات لضمان عدم وجود تمييز على أساس الدين أو المعتقد، ولتوفير الفرص المتساوية لجميع المواطنين. التوازن بين المواطنة واحترام الدين يتطلب حوارًا مستمرًا، فهمًا متبادلاً وسياسات تكون شاملة، سواء على مستوى القوانين الوطنية أو الممارسات الاجتماعية. وبذلك، يمكن للدولة أن تعزز التماسك الاجتماعي وقبول التنوع كإثراء للمجتمع الوطني. وفي سياق البحث الأكاديمي والعلمي حول المواطنة والدين في الدولة الحديثة، من المهم الاعتماد على المبادئ والنظريات القانونية والسياسية التي تشكل فهمنا للمواطنة في إطار دولة متعددة الثقافات والأديان. لكن القران الكريم تعرض للموقف من اتباع الديانات الاخرى في عدد من الايات مثل قوله تعالى: «لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ * وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ * إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ * وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ.» (المائدة 72) «إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَىٰ وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ». (البقرة 62) «إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ.» (الحج ١٧) هذه الايات تشرع الموقف الديني من اصحاب الديانات المذكورة، ولا تحدد موقفهم القانوني في الدولة. ولهذا فان الاستشهاد بها في سياق بحث اوضاع غير المسلمين في دولة حديثة قد لا يعزز الفهم المطلوب ويمكن أن يكون غير مناسب في هذا البحث. الآيات الدينية عموماً تحمل قيمة روحانية ودينية كبيرة للمؤمنين بها، ولكن الاستشهاد بها في البحوث الأكاديمية قد يتطلب سياقاً معيناً يتعلق بدراسة التأثير الديني أو التاريخي، وليس بالضرورة في نقاش قانوني أو مدني حول المواطنة. إذا كان البحث يتناول العلاقة بين الدين والدولة، فمن المفضل التركيز على كيفية التوفيق بين حقوق المواطنة وحرية الأديان والمعتقدات في سياق الدول الحديثة، وأي استشهادات يجب أن تكون في إطار دعم هذا المنظور. الدولة الحديثة لا تتدخل بدين المواطن ولا ترتب اثارا قانونية عليه. وهذا القول ينسجم من حيث المبدأ مع قوله تعالى: «لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ». وهذا هو اساس قولنا بعدم التعارض بين مفهوم المواطنة والانتماء الى الدين في الدولة الحديثة. يتبع |