محمد عبد الجبار الشبوط في وقت سابق من هذه السنة دعوتُ الى حل البرلمان، وقلت في مقال عنوانه «الحل في الحل» ان هذه هو الحل الديمقراطي الوحيد للازمة الحالية. وبررت حل البرلمان بامرين هما: اولا، عدم فرز الانتخابات لاغلبية واضحة تستطيع تولي الحكم على قاعدة اغلبية حاكمة واقلية معارضة. وثانيا، فشل البرلمان في القيام بوظائفه المنصوص عليها في الدستور، وهي بشكل اساسي انتخاب رئيس الجمهورية ثم المضي نحو تشكيل الحكومة الجديدة. وقلت ان البرلمان الحالي اضحى عاجزا عن اخراج الدولة من ازمتها الحالية، وفشل في اداء وظائفه حينما ارتضى لنفسه ان يكون ضحية عدم الاتفاق بين السياسيين حول مسألة انتخاب رئيس الجمهورية و تشكيل الحكومة الجديدة. وطبيعي انه حين يتم حل البرلمان قبل انتهاء عمره، فيجب الذهاب الى الانتخابات المبكرة، لكي لا تبقى الدولة بدون سلطة تشريعية. لكني وضعتُ شروطا للانتخابات المبكرة قلت: ولكي تنجح الانتخابات المقترحة فيما فشلت فيه انتخابات العاشر من شهر تشرين الاول من العام الماضي، فان على القوى السياسية ان تخوضها بالية جديدة. وتتمثل الالية الجديدة بعدد من الامور منها: اولا، تقليص عدد القوى المتنافسة الى ادنى درجة ممكنة. وكمثال على ذلك، فاني اقترح على قوى الاطار التنسيقي مثلا ان لا تتنافس فيما بينها في الدائرة الواحدة، بحيث تقدم مرشحا واحدا يمثل كل هذه القوى في الدائرة الواحدة. وكذلك تفعل قوى التحالف الثلاثي. هذه طريقة. واذا اصرت القوى ان تخوض الانتخابات بطريقة المكونات، فاني اقترح ان لا تتنافس القوى الشيعية فيما بينها في الدائرة الواحدة، وكذلك تفعل الاحزاب السنية والاحزاب الكردية. وثانيا، مشاركة الجميع في الانتخابات وعدم مقاطعتها او التكاسل في الذهاب الى مراكز التصويت. وثالثا، حماية الانتخابات من التزوير والتلاعب. بعد أشهر من نشر مقال «الحل في الحل» تنادي بعض الاطراف السياسية باجراء انتخابات مبكرة. ولكني لم اؤيد هذه الدعوة، وقلت في اكثر من منشور ان هذه الانتخابات المبكرة غير مبررة وغير ضرورية. لاسباب جوهرية منها: اولا، ان اجراء الانتخابات المبكرة يستدعي القيام بخطوة قبلها وهي حل البرلمان بطريقة دستورية سليمة. وتبين المادة ٦٤ هذه الطريقة بقولها: «يحل مجلس النواب ،بالأغلبية المطلقة لعدد اعضائه، بناءً على طلبٍ من ثلث اعضائه، أو طلبٍ من رئيس مجلس الوزراء و بموافقة رئيس الجمهورية». وليس عندنا الان الا طريق واحد لحل البرلمان وهو «طلب ثلث اعضائه» ذلك، حيث لا يصح الطلب الثاني. وكان بامكان الكتلة الصدرية طلب ذلك، لكن نوابهم اختاروا الاستقالة من البرلمان قبل حله. وكان هذا بتقديري عملا خاطئا. ثانيا، وبدل حل البرلمان بطريقة دستورية، جرى طرده من مقره عن طريق المتظاهرين. وكان بامكان المتظاهرين الذين احتلوا مبنى مجلس النواب ان يكتفوا بالتظاهر والاعتصام امام المبنى، وهذا حق يكفله الدستور بشرطه وشروطه، ودعوة النواب الى تفعيل المادة ٦٤. وهنا يكون التظاهر نوعا من الضغط الجماهيري السلمي على النواب، وهو امر مشروع دستوريا. ثالثا، وكان من نتيجة ذلك ان البلاد دخلت في حالة من الفوضى تمثلت بامرين هما: حكومة مستقيلة منتهية الصلاحية، وبرلمان مطرود لم يتم حله بطريقة دستورية سليمة و تشتت افراده النواب ايدي سبأ. وفي مثل هذه الفوضى كيف يمكن تصور اجراء انتخابات مبكرة نظيفة بعيدة عن الضغوط؟ رابعا، ان حل البرلمان بطريقة دستورية والمضي الى الانتخابات المبكرة يجب ان يكون قرارا وطنيا تتخذه الاغلبية الوطنية داخل برلمان يتمتع بحرية كاملة، وليس عن طريق فرضها، اي الانتخابات المبكرة، من قبل طرف على الاطراف الاخرى. وهذا ما لم يتحقق. في ظل هذه الاوضاع الشاذة، حيث يتعذر اجراء انتخابات حرة وعادلة ونزيهة، يكون من الافضل العودة الى الاليات الدستورية في ترشيح وتكليف الشخص الذي يقوم بتشكيل مجلس الوزراء، (لدينا الان مرشح الاطار التنسيقي)، او، في حالة تعذر الامر الاول، قيام مجلس النواب بفتح باب الترشيح للمنصب، ثم اختيار المرشح عن طريق التصويت التسقيطي، ليجري تكليفه بعد ذلك حسب الاليات الدستورية المعتمدة. انها خطوة واحدة فقط في طريق طويل للاصلاح السياسي وهو مطلب متفق عليه، و اكثر من ضروري. |