ان دولة الإنسان في واقعها الانفسي تتألف من خمس قيادات: 1. القيادة الأولى وهي (القيادة الكمالية). 2. القيادة الثانية وهي (القيادة الفاسدة). 3. القيادة الثالثة وهي (القيادة المعتدلة). 4. القيادة الرابعة وهي (القيادة المتذبذبة). 5. القيادة الخامسة وهي (القيادة العاطفية). هذه القيادات هي الوجوه البارزة على الساحة السياسية في دولة الإنسان، وتشكل بمجموعها (مجلس نواب قيادي) إذ لكل صوت فيه حزبه وسياسته الثقافية والفكرية في أبعادها ومدياتها على رعية البدن، ولكل صوت فيه مؤيدوه ومناصروه في أرجاء هذه الدولة الإنسانية. ومن بين هذه السياسات والأفكار والثقافات تنهض واحدة من بين تلكم القيادات الخمس لكي تقود زمام الأمر والمبادرة فتكون هي الحاكمة في بلاد الإنسان. شرح وبيان القيادات الخمس ولنسترسل الآن شارحين ومبينين كل واحدة من تلكم القيادات النفسية الخمسة إذ ان (من عرف نفسه عرف ربه). 1 ــ القيادة الأولى (القيادة الكمالية) هذه القيادة مهذبة وحكيمة وواثقة وعادلة في إدارة شؤون البلاد، ورئاسة هذه القيادة للسلطة إنما جاءت عن استحقاق عال وجدارة وثقة مطلقة من مجلس النواب والشعب في الدولة فانبثاقها كان في آفاق حرة وأجواء سامية، وباتفاق المجلس والشعب على ذلك والموافقة المطلقة على انتخابها لما وجدوا فيها من الوجوه الكمالية المؤهلة لها، والتي رشحتها في الانتخابات العامة والخاصة للدولة في تصويت النواب. ان هذه القيادة أعني القيادة الكمالية هي واقع قيادة (العقلانية الشفافية) إذ أنها قد وصلت في سياستها القيادية إلى هذا المقام الرفيع من حيث التهذيب والحكمة والعدالة والسيطرة فلا نرى وجها معقولا للاعتراض عليها لأنها جاءت تحقيقا لإرادة الشعب والمجلس القيادي في آفاق البلاد القائمة على أساس الشفافية والعدالة، فهذه القيادة ارض خصبة لنمو حرية الرأي في جوانب التحقيق والتصديق وكذلك هي ارض خصبة لولادة مصداقية القرار والتطبيق. ان أرجاء البلاد في ظل راية القيادة الكمالية تنعم بالاستقرار والطمأنينة الممتدة على ربوع ارض البدن، حيث الموازنة في تطبيق القرارات واتفاق رأيها مع الآراء في مجلس النواب وبذلك أصبحت قيادة موحدة لا تمس سيادتها، ولا تهان وتهش كرامتها ولا تلوث سمعتها من أي فئة، أو حزب، أو مناوئ، أو عميل داخل البلاد، أو خارجها. هذه القيادة هي صاحب القرار القوي الذي يحبط كل مخطط للأعداء يروم النيل من أمن وسيادة البلاد، ثم ان علاقاتها مع سائر البلدان البدنية الأخرى خصوصا المجاورة لها والمحيطة بها واسعة، وانفتاحاتها واثقة وطموحة في آفاق الرقي والتكامل، ومن سمات هذه القيادة أيضا انها تقود البلاد إلى التقدم الراشد نحو المستقبل العظيم الزاهر بالعطاء. لتكون بلادها أكثر البلدان ثقافة وعلما وكمالا إذ ان عموم البلاد ــالراعي والرعية ــفي امتداد روحي عظيم الموازين في استدراك اليقين على الصراط المستقيم صراط محمد وآل محمد صلوات الله عليهم أجمعين. 2ــ القيادة الثانية (القيادة الفاسدة) هذه القيادة الثانية في نفس الإنسان وهي قيادة متردية فهي سالبة لان كفة النفس الأمارة بالسوء في ميزانها راجحة، فيكون مجلس النواب (القلب والعقل) وقواهما تحت تصرف هذه القيادة المتردية الرعناء والمتغطرسة فيحل ويعم الفساد والطمع والحقد والكراهية وكل ما هو في بودقة العيوب والاسواء أرجاء البلاد. ومن سمات هذه القيادة ان تصرفاتها عشوائية وآفاقها ضيقة وقدراتها محصورة في بذخها وإسرافها وتبذيرها فهي تنفق ملكها على لذاتها ونزواتها الحيوانية غير آهبة ولا وجلة إلى ما سيؤول اليه أمرها. ثم ان قرارها تتخذه على عجل من أمرها مسببة بذلك إرباكا للعقل المنفذ لأوامرها، والمسير تحت تصرفاتها، حيث تقرر هذه القيادة ختم المجلس النيابي بالشمع الأحمر؛ لتطويه في آفاقها الضيقة، وتحدد مسيرته ضمن قانونها القيادي الفاسد، فتكون قراراتها التي تتخذها هابطة المستوى وسيئة الصيت، إذ ان إرادتها ترتكز على إرادة مطواعة للهوى ورغبات النفس التي على تفرضها على أطراف المشاورة وآراء المحاسبة (مجلس النواب) دون ان تأخذ رأيهم بهذا القرار أو ذاك. ان هذه القيادة سيئة فإنها قد فقدت أدنى مستويات التكامل، فهي سرعان ما تنقض العهد، وتنقلب في معاهداتها مع نفسها ومع البلدان البدنية الأخرى، فهي كذوبة وفاسقة ومصالحها ترتبط بالبلدان المماثلة لها المستوي القيادي الفاسد. ان امن وسيادة وكرامة هذه القيادة مبتذلة وعرضة لمن هب ودب، وعلاقة هذه القيادة مع باقي البلدان الأخرى محدودة إلا في نطاق ما يشابهها في الفساد والفوضى الأخلاقية. 3ــ القيادة الثالثة (القيادة المعتدلة) هذه القيادة موجبة وكفة العقل راجحة على كفة النفس الأمارة بالسوء في ميزان الخلق وما ميزان الخلق إلا محمد وآل محمد صلوات الله عليهم أجمعين، ولرجحان كفة العقل فان هذه القيادة حققت انتصارا على ما سواها في البلاد البدنية، ورعايا البدن تنفذ ما تقوله هذه الإدارة والقيادة العقلية المعتدلة، ومن سمات هذه القيادة أنها قوية الإرادة صائبة القرار وحسنة الصيت، ثم ان ما تتخذه من قرارات ترضي به اطراف المشاورة وآراء المحاسبة (مجلس النواب) حتى وان لم تتخذ رأيهم في إصدار أو اتخاذ بعض القرارات، ولكن لا ضرر في قراراتها على امن وسيادة البلاد. فعموم البلاد تنعم بالرضا والاطمئنان في ظلها، ونجد هذه القيادة دائما على موازنة في أمرها، إذ ان من ينحرف عن مسار قيادتها ودستور بلادها فانه يحال إلى (مجلس النواب) ليقدم إلى أطراف المشاورة وآراء المحاسبة كي يتم إصلاحه وإعادته إلى جادة الصواب ان أمكن ذلك، أما اذا أصر على عصيانه فحينها يتم الزامه الحجة وذلك بإحالة أوراقه إلى محكمة العدل التطبيقية (الضمير) في البلاد البدنية لينال جزاؤه العادل. ان هذه القيادة صادقة وموثوقة بها، وعلاقتها مع سائر البلدان البدنية الأخرى واسعة ومتحضرة، فهي تسلك طريقها لتشق آفاق المستقبل في فتوحاتها الكمالية وهذه القيادة في سياستها على حد التهذيب لترقى بعد ذلك إلى مستوى القيادة الكمالية. 4 ــ القيادة الرابعة (القيادة المتذبذبة) وهذه القيادة غير مستقرة في سياستها فتارة تكون كفة القيادة المعتدلة راجحة وأخرى نرى الرجحان لكفة القيادة النفسية الفاسدة فهي متذبذبة ما بين الاعتدال والفساد لم يستقر بها القرار على رجحان احدى الكفتين في ميزان سياستها الأخلاقية. فعندما ترجح كفي القيادة المعتدلة في سياستها فأنك تراها منتصرة ومسيطرة على أهوائها ونزعاتها فيستقر الوضع العام في البلاد ويعيش الشعب والبلاد بصورة عامة انتعاشة الانتصار ولعق الجراح للنهوض بالمستوى المطلوب، لكن سرعان ما تستغل قيادة النفس هذ التداوي والضماد الجراحي للقيادة الحديثة لتتغلب عليها وتتحقق بذلك مغلوبية العقل وغالبية النفس والهوى فتسوء الأمور حينها في عموم البلاد ويفسد الوضع العام وتنتكس السياسة في بودقة الإخفاقات. بعد ذلك يلاحظ العقل هذا التذبذب القيادي غير المتوازن فيثور العقل ثورة انتقامية مدعوما من المحكمة العدلية والشعب في سائر أنحاء البلاد فيتحقق بذلك انتصارا لكنه وللأسف الشديد يبقى الانتصار والهزيمة في مد وجزر على صعيدها السياسي العام فتختفي معالم النفس تارة ومعالم العقل أخرى لتذبذب القيادة الحاكمة على البلاد البدنية. ان من سمات هذه القيادة أنها غير مستقرة في قراراتها فهي غير ثابتة في وضعها العام، أما أطراف المشاورة وآراء المحاسبة (مجلس النواب) فيكون دائما غير راض عنها وعلى أوضاع البلاد فقيادة البلاد غير موثوق بها وغير صادقة فهي بين المد والجزر فتضيع في ظلها الكثير من الحقوق والمصالح المتعلقة برعاياها البدنية، وكذلك الحقوق والمصالح المتعلقة بالبلدان البدنية الأخرى المجاورة لها كون ساستها وسياستها بين مد وجزر. 5 ــ القيادة الخامسة (القيادة العاطفية) هذه القيادة هوائية فكفة الحكم للعاطفة هو الحاكم في ميزان سياستها، فالقلب هو الحاكم إذ هو صاحب الأمر والنهي في البلاد، وبما ان القلب في بعض البلاد وعاء الشيطان، وفي أحيان أخرى مخبأه الحقيقي فتخضع هذه القيادة تبعا لذلك إلى مشاورة النفس الأمارة بالسوء لأنها عضو في المجلس النيابي وبما أنها عضو وهي سيئة في قراراتها فتملي على هذه القيادة رغباتها وأفكارها المتذبذبة في نزوات الفعل الوقتية. ان هذه القيادة إذا لم توكل قراراتها إلى مشاورة العقل فإنها تكون غير صائبة وكثيرا ما تضر في مصالح البلاد مخلفة بذلك آثارا لا تحسد عليها. هذه القيادة قيادة عاطفية فهي ضعيفة الإرادة لأنها مزجت بطبعها وطبيعتها ما بين الرحمة والقسوة وما بين الكره والحب وما بين الصفاء والضوضاء وما بين الطيب والخبث وغيرها من سائر الامتزاجات التركيبية الأخرى فتصبح بذلك إناء ينضح بما فيه. ان قرارات هذه القيادة تعتمد على ما كمدت وما سرت وأضمرت فيكون القرار ظالما أحيانا وعشوائي التصرف أحيانا أخرى، فلا تستطيع هذه القيادة جمح قوى بعض الأحزاب التي تستغل ضعف القيادة فتتحزب وتكون لها قاعدة ومقومات في البلاد وتخرج من حدود الموازنة التطبيقية تكليفا وتكييفا، ومن جملة تلك الأحزاب «حزب الحياء والخجل المفرط». فيكون هذا الحزب متمكنا في نفوذه مخترقا طوق التوازن الاعتيادي لدستور الحياء والخجل المتوازن في البلاد البدنية فيؤثر سلبا على مصالح البلاد في عامها وخاصها. أما الحزب الثاني فهو «حزب الثقة العمياء، والسريرة البيضاء»، إذ هذا الحزب مفرط في نفوذه واخلالاته بالقاعدة التنظيمية لنظام البلاد. مما يؤدي ذلك إلى تشجيع ودفع بعض قيادات البلاد لاستغلالها فتتقدم بذلك تنازلات عن حقوقها، فتستخفها تلك الأحزاب والقيادات الأخرى إرضاء لقيادة أخرى في بلد آخر تنظر بذلك مصلحة شعبها ورعاياها وبلادها على حساب هذا البلد. ان هذه الأحزاب عميلة لقيادات في بلاد أخرى، ومن سمات هذه القيادة العاطفية أنها تراعي استحقاقات جاراتها من البلدان الأخرى أكثر من مراعاتها لاستحقاقات شعبها، فشعبها يعاني نقصان حقوقه. ان هذه القيادة بحاجة للموازنة في أمورها وان تكون عاقلة ولا يتسنى لها ذلك إلا بمشاورة العقل إذ هو عضو في (مجلس النواب) وعند المشاورة للعقل يكون التنبيه لها على ما فعلت وقررت في قيادتها العاطفية الهوائية فتكون حصتها حينئذ الندم على الكثير من القرارات التي أولتها اهتماما بالغا في حين أنها لا تستحق ذلك الاهتمام، وأهملت في قراراتها أمورا كان عليها ان توليها بالغ عنايتها ومنتهى حرصها. المربي الحاج رحيم الاسدي |