عماد الدين موسى الشِعرية الغنائية الخافتة، والقريبة إلى حدٍّ ما من الهمس الهادئ والشجيّ، تكادُ أن تكونَ السمة الأبرز لقصيدة الشاعرة اللبنانيّة سمر دياب (من مواليد دمشق 1976)؛ فيما جُملتُها، من الناحية اللغويّة ومن حيثُ البنية الأسلوبيّة، تبدو محبوكة بمنتهى الرقّة والأناقة، وغايةً في البساطة والإدهاش في الآنِ معًا. في كتابها الشِعريّ الجديد «أكتب قصائد ملوّنة»، الصادر حديثًا عن دار كنعان في دمشق (2021)، تقودُ الشاعرة سمر دياب القصيدة إلى الحيّز الإبداعي الأكثر ديناميكيّة؛ إلى الكتابة الآليّة أو بتعبيرٍ أدقّ: تلك المكتوبة بعفويّة تامّة وكأنها كُتبتْ من تلقاء نفسها: «تعال لا تخف/ أنا آخر المتوحشات الطيبات/ وهناك في منتصف قلبي/ شجرة كرز». عنصر المفاجأة في المقطع السابق أو ما يسمّى ببؤرة التوتر في النهايات، نجده في معظم قصائد الكتاب، وهو ما يضفي المزيد من السلاسة والمرونة على أجواء القصائد.
قصيدة حبّ طويلة سمر دياب، المقيمة في إسبانيا، تكتب وكأنها في سباقٍ مع الزمنِ، تكتب بحبّ وعن الحبّ ولمن تحبّ، تكتب قصيدة حبّ «طويلة حتى الينابيع» وما بعدها أيضًا؛ «إنها قُبلة/ إنها قُبلة، مناطيد الحب، سيتّسع قلبي كثيرًا، في اللحظة التي ترتجف فيها يد الحبّ، هذا الفم الذي هزمته قبلة»، وغيرها الكثير من العبارات التي نجدها تتكرّر بين جنبات الكتاب. حيثُ تقول الشاعرة: «أحب أن أناديك: يا حبيبي/ لأني أشعر حينها بأنهم لم يدمروا مدننا/ وأن الأشجار التي احترقت في الجبال ليست حقيقية/ يا حبيبي/ لم تحدث حرب/ لم يحدث شيء». النبرة الهادئة في المقطع السابق، ليست صامتة بقدر ما هي صادمة وتكاد أن تكون أشبه بالصعق لدى القارئ، وعلى الرغم من كل المفردات المتضادة والتي تم مزجها بحميميّة مطلقة حدّ الذوبان، فهي تؤكّد على أنّ الحبّ وحده قادر على إزالة كل مخلّفات الحرب والدمار الذي يحيط بنا من كل الجهات وأينما ولّينا وجوهنا.
استراتيجية العنونة تختار سمر دياب عناوين قصائدها وفق استراتيجيّة واحدة/ معيّنة، تخصّ مزج الشِعر بالفنّ التشكيلي، عبر رؤية بصريّة في انتقاء الألوان الأكثر إثارةً لدى القارئ/ المتلقي، ولعلّ عنوان الكتاب أول ما يلفت الانتباه إلى هذه الاستراتيجيّة. وفي الاتجاه عينه تنحو عناوينُ القصائد أيضًا، العناوين بوصفها عتبات تمهيديّة مُضيئة لولوجِ النصّ، حيثُ تتجزأ الألوان لتأخذ كل قصيدة لونًا معيّنًا عنوانًا لها؛ «القصائد الخضراء»، «القصائد الحمراء»، و»القصائد الزرقاء». فيما تغرق القصائد بالألوان وكأنّه قوس قزح لا نهاية له، يمتد على صفحات الكتاب، من الغلاف إلى الغلاف، تقول: «أيتها الوردة الحمراء/ كأنك أمّ الدمّ/ لا تقولي شيئًا/ لا تبكي/ لا تقاومي/ احملي شوكتك واهربي».
في مهبّ الحيرة كتاب «أكتب قصائد ملوّنة»، والذي جاء في أربع وسبعين صفحة من القطع المتوسط، هو الإصدار الشِعريّ الثالث للشاعرة سمر دياب، إذ سُبِقَ لها أنْ أصدرتْ كتابين شِعريين، هما: «هناك عراك في الخارج (2009)»، و»متحف الأشياء والكائنات (2012).في هذا الكتاب تكتفي الشاعرة بطرح المزيد من الأسئلة القلقة، والتي تخصّ ماهيّة الحياة والعدم، طالما أنّ الشِعر في أحد أبرز وجوهه يُثير ذائقة القارئ، ويتركه في مهبّ الحيرة وحدها، من دون أن تُفضي تلك الأسئلة إلى أية أجوبةٍ تُذكر؛ تقول: «ما كل هذه الأحجار والصخور في مخيلتك؟ إنها وعرة/ وراح يقذف بالكتل الصلبة إلى الخارج/ لكن../ أين ستجلس المرأة التي تنتظر الآن؟/ على ماذا سيتكىء الرجل الحزين؟/ من سيلمع مثل الماس حين يصعد الماء والدمع إلى هناك؟/ والأفاعي.. ماذا سأقول للأفاعي؟». |