علي علي بعملية “حساب عرب” بسيطة، يتضح جليا الفرق -في التقدم التكنولوجي والعلمي- بين العراق وأمم وُلِدت بعده بقرون، إذ أن خط التطور البياني ينحدر بشدة مع خط التقادم الزمني بشكل مخيف، الأمر الذي ينذر بسوء المآل إن استمر الانحدار على هذا المنوال. وبما أن لكل شيء سببا، فإن هناك حتما سببا لهذا التدهور، ولو أردنا حصره بحقبة معينة فمن المؤكد أنها ستكون حقبة الربع الأخير من القرن المنصرم، وتحديدا ما بعد عام 1979. إذ مع أن مؤشرات التدهور بدأت منذ اقتراب سلطة البعث من كرسي التسلط والحكم عام 1963، إلا أن الوقع الكبير لمعاول التهديم بان بشكل سافر بتسنم رأس الشر صدام مقاليد الحكم شخصيا ومباشرة، يومها صار التخريب نهجا متبعا، والقمع سياسة قائمة معمولا بها، فآلت الأحوال من السيئ الى الأسوأ. والحديث عما فعله هذا المجرم خلال وجوده في الحكم طويل، سأتجاوزه وأختزل تلك السنين كي أنطلق بالحديث من عام زواله في 2003. من المعلوم أن بزوال المسبب تختفي الأسباب عادة، وباختفاء الأخيرة تتغير النتائج، فمن المفترض إذن، أن بزوال الصنم تختفي العلل، وباختفاء الأخيرة تنعكس النتائج الى حيث يهوى المسبب الجديد، أي أن المسبب له دور البطولة في مسرح الأحداث والنتائج على حد سواء. الذي حدث بعد عام السعد عام 2003..! أن دور البطولة تسنمه شخص ثانٍ وثالث وعاشر… إلا أن الطامة الكبرى أن السيناريو بقي ذات السيناريو، والسياسة والنهج تلبسا قواما آخر مع الإبقاء على القطب ذاته يدوران حوله، ولا ينكر أن تغييرا كبيرا حدث في سينوغرافيا المسرح، كذلك هناك تغير جذري قام به “الماكير”..! أما الإكسسوار فقد كان له الحظ الأوفر من يد التغيير، فكان لهذه التغييرات -مجتمعة- بهرج وبريق لماع خدع المتفرجين وأغراهم بتأمل نهاية سعيدة للمسرحية. والمتفرجون في موقف لا يحسدون عليه، فهم كما يقول مثلنا: “الغرگان يچلب بگشاية”، فراحوا يتابعون المسرحية التي طالت عليهم فصولها، ومازالوا يحلمون ويترقبون بشغف شديد تلك النهاية السعيدة.وبالعودة الى خط التطور البياني -خارج المسرح- ولكي لا أتهَم بالتشاؤم، أٌقول أن البلد بدأ يسير بخطى ثقال مقارنة مع الطفرات العلمية والقفزات التكنولوجية التي استحدثت في العالم. في حين أن ماضي بلدنا يزخر بما تكتظ به ساحات العلوم والآداب والفنون، فقد ملأ أجدادنا المكتبات بأبحاثهم واكتشافاتهم واختراعاتهم في المجلات كافة، فيما اقترفت الحكومات المتتالية خطأ كبيرا في التعامل مع هذا الكم الهائل من الموسوعات، إذ ظن حكام العراق -السابقون واللاحقون- ان الإرث الحضاري يحفظ في الأدراج والدواليب، وعدّوه كنزا ضموه كملكية خاصة مع التيجان والأموال والقصور والضيعات، ليكون رصيدا يجيّر لحسابهم وحساب عوائلهم وأحفادهم وليس لأبناء هذا البلد. |