المستقبل العراقي / منشد الاسدي
يطرح بين الحين والاخر تساؤل مشروع مفادة أين هي الحركة النقدية ( فيما يتعلق بالمسرح على وجه الخصوص ) , وبلا شك فأن أزدهار النقد بكل أشكاله ومفاصله يعتمد على الحركة الموازية للابداعات الفنية و كلما كان هنالك أبداع وحركة ديناميكية كلما تواجد النقد البناء الهادف , وربما من نافله القول أن الفن العراقي يفتقر الى النقاد بعد أن توفي أبرزهم أو هاجر أغلبهم وهذا الامر يؤدي بمرور الوقت والزمن الى ان يفتقر الفنان نفسه الى الوعي , لان نقد العمل الفني أو اقامة الندوات والجلسات عند الافتتاح او خلاله يسير بمجموعة العمل المشتركة الى طريق سليم وقويم تحتاجه عناصر العمل لان الناقد هو عين المشاهد والمتلقي في ان واحد . أن التمثيل هو من العمليات المعقدة جدا وقد تكون من أصعبها , بينما يعد ( المسرح ) هو الجزء الاخطر في الحركة الفنية والاقدم ولانجازف بالقول أنه العمود الفقري الذي أستندت اليه بقية الفنون فيما بعد مستمدة القها من ( المسرح الاغريقي ) . عندما توجهنا الى المسرح الوطني ببغداد لمشاهدة عرض مسرحية ( بهلوان من هذا الزمان ) كانت الغاية هي تمضية وقت جميل بعد ساعات عمل طويل , دون وجود نيه مسبقة للتفاعل الفكري مع العرض ( نصا وأخراجا وأداء ) , المخرج والمؤلف هو عبد علي كعيد , أسم مألوف في الوسط الفني والثقافي , يصفه البعض ( بالمجازف ) , يمتلك خبرة وتجربة تسهل عليه الامساك بخيوط سياق التطور الذي ينبع من تراكم كمي ونوعي لرؤى وتصورات متعددة نابعة من الممارسة العملية لفن التمثيل . ماان ينتهي عرض هذه المسرحية حتى ندرك أن المخرج قد سعى للابتعاد عن ثنائيات العرض المسرحي التقليدية , بل مجموعة وجوه فنية معروفة أدخلها ( كعيد ) في دوامة صراع نفسي يترك للمشاهد رؤيته لاثبات مواقف أنسانية وهو ماخدم العرض الفني هذا , الملفت جدا في المسرحية هو قدرة المخرج على جمع مجموعتين من الوسط الفني المسرحي كل منهم ربما ينتمي لمدرسة معينة ( تراجيدية ) و ( كوميدية ) أياد الطائي الفنان الذي يرتدي عباءة ( رتشارد الثالث ) يقف بجوار ناهي مهدي , المبدع في كوميديته التلقائية المفرطة حتى أنه في مشهد معين ( يستل ) من الجمهور قفشة مقصودة حين يتهم ( التراجيديين ) بأنهم الاكثر حضورا وحظوة في المهرجانات العربية ! والى جانب أخر يطل عليك فجأة خضير أبو العباس , شخصية وضعها المؤلف في مكانها الصحيح جدا وجازف بها في هكذا عمل , ربما لمعرفته بأمكانيات أبو العباس التي لم تعلن كثيرها للان ( شمولية الفنان ) حيث كان لوجودة أعطاء حياة جديدة بمعنى تقريب العمل من المتلقي , تمارا جمال كانت ( داينمو ) العرض طيلة وقته , حتى دخولها المفاجىء المختصر أحيانا ببعض القفشات يشعرك أن الامر مدروس بدقة ترافقها قدرتها على أستمرار تلقائية الفتاة الشرسة البشوشة الممتلئة ثقة , المخرج أمسك بنظرية البحث عن نقاط التوافق والاختلاف في عمل أراد منه تأسيس مدرسة أو تيار فكري معين يسحب المشاهد الى عرض مسرحي ( محترم ويحترم الجمهور والذوق العام ) حين تدخل العائلة العراقية الى ( مسرح الدولة الوطني ) وتخرج منه دون أن تسمع مايسىء للذوق أو يضرب مبادىء الاخلاق العامة تحت حجج ( مايطلبه المشاهد ) او يفرح له الجمهور , أن المسرح ( الجاد ) نعم هو مسرح حقيقي تثقيفي لاثراء الحياة والفكر الانساني , و ( الكوميدي) مسرح الترفيه والابتسامة لكنه مع ذلك مسرح الدفاع الانساني عن انسانية الحياة . ديكور العمل هذا كان (مبالغا ) فيه وبعضه لايمت لفكرة المسرحية بصلة , لكن في المقابل اتقن ( كعيد ) في ان يشد المشاهد الى استمرار التعمق بفكرة الصراع وضرب الامثلة وهو مايعطي مجال للتأمل النفسي , وكعادته في اعماله ناقش المخرج عبد علي كعيد واقع الحياة الاجتماعية و الاقتصادية , وارسل من خلال هذا العمل عدد من الرسائل منها غياب ادوات نجاح اي عمل فني ممكن ان يقدم خلال هذه المرحلة ومنها على الاطلاق غياب ( الدعم الاعلامي ) افتقار مفجع بل ومؤسف الى عدم تسليط الضؤ على هكذا اعمال فنية أنعكست بالتالي على عدد الجمهور الذي كان يفترض ان تكتظ به قاعة المسرح الوطني ومع ذلك أستمر العمل في العرض لان المخرج أشتغل على هدف ان الاستمرار سيولد تراكم خبرات وينعكس على اداء الممثل الذي يستطيع سحب المشاهد من البيت الى المسرح مجدد . بهلوان من هذا الزمان , عمل مسرحي سعى فريقه كله الى أشعال شمعة وسط عتمة في هذا الزمان والمكان , وفي وطن أجمع أهله انهم لن يسمحوا للذئاب أن تأكله مرة أخرى وأهله عنه غافلون ! وهذه خلاصة المسرحية .
|