بغداد / المستقبل العراقي
بدا ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في حواره مع مجلة «ذي أتلانتيك» الأمريكية أكثر وضوحاً وصراحة فيما يخص سياسة بلاده الخارجية، بينما حاول المناورة فيما يخص طريقة الحكم والإدارة لشؤون المملكة الداخلية. وظهر جلياً، من خلال الحوار، محاولات ولي العهد السعودي الحثيثة لتصدير صورة مختلفة عن المملكة، تبدو أكثر تطابقا مع رؤية وتصورات الولايات المتحدة وخاصة تحت إدارة الرئيس الأمريكي الحالي دونالد ترامب. فعلى صعيد السياسة الخارجية، أقدم بن سلمان على خطوة غير مسبوقة من خلال اعترافه بحق الإسرائيليين في الأراضي الفلسطينية باعتبار أنها كأنت أرضا لأجدادهم وأسلافهم. المجلة الأمريكية ذاتها عبرت عن دهشتها من صراحة بن سلمان، مشيرة إلى أنه بالرغم من العديد من الزعماء العرب تحدثوا عن حقيقة وجود (إسرائيل)، لكن الاعتراف بأي نوع من الحق في أرض أسلاف اليهود كان خطًا أحمر لم يعبره أي زعيم قبل بن سلمان. وحاول بن سلمان مغازلة الإسرائيلينن من خلال التأكيد على أنه «ليس هناك أي اعتراض ديني على وجود دولة (إسرائيل)»، بينما حدد الخط الأحمر الوحيد للقضية هو سلامة المسجد الأقصى، دون أن يشير حتى لقضية القدس، وهو ما يعد موافقة ضمنية منه على اعتراف إدارة ترامب بالقدس عاصمة لـ(إسرائيل)، في كانون الأول الماضي. المثير في الأمر أنه أعلن بوضوح عن العلاقات السرية التي تحدثت عنها تقارير عدة خلال الأشهر الأخيرة، فقد أثنى بن سلمان على الاقتصاد الإسرائيلي، كاشفا عن مصالح مشتركة بين بلاده والجانب الإسرائيلي دون أن يوضخها على وجه التحديد.وألمح بن سلمان عن تصوره لكيفية إطلاق عملية تطبيع أكثر شمولية ووضوحا، حيث دعا لإنجاز عملية سلام، معتبرا أن تلك العملية ستكون البوابة لعلاقات كاملة لـ (إسرائيل) ليست مع السعودية فحسب، بل مع كافة دول مجلس التعاون الخليجي ودول أخرى مثل مصر والأردن. ولم يكن يدري بن سلمان، ما تخبئه الأيام القليلة التالية لتلك التصريحات التي لم تنشر إلا الإثنين، إذ اندلع حراك شعبي فلسطيني جارف ضمن «مسيرات العودة» ارتقى على إثره 16 شهيدا فلسطينيا وأصيب قرابة 1500 آخرين، ما يجعل الرأي العام العربي والإسلامي أكثر رفضال تلك التصريحات وخاصة في هذه الأجواء الساخنة رئيس تحرير مجلة «ذي أتلانتيك» الأمريكية جيفري غولدبرغ»=، عبر عن اعتقاده أن ولي العهد السعودي لم يكن ليعدل وجهات نظره في ضوء الأحداث الأخيرة، باعتبارها قناعات لديه، كما أن الهدف الرئيسي منها وهو تقديم أوراق اعتماده لدى الأمريكان والإسرائيليين لم يتغير. يشار إلى أن بن سلمان التقى خلال زيارته للولايات المتحدة، مع زعماء يهود، من بينهم رؤساء لجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية (أيباك) والاتحادات اليهودية لأمريكا الشمالية، ورابطة مكافحة التشهير، والمنظمة العالمية للدفاع عن اليهود، ومنظمة «بناي بريث» الصهيونية، وجميعها حركات يهودية، بحسب صحيفتي «هآرتس» الإسرائيلية و«إندبندنت» البريطانية. وتعلق الحكومة الإسرائيلية، آمالا كبيرة وغير محدودة على علاقتها التي تتطور يوميا مع السعودية، وتدفع بكل ثقلها في اتجاه أن يكون للرياض دور أساسي وتاريخي في فتح الباب أمام تطبيع علاقات دولة الاحتلال مع بقية الدول العربية. وللمرة الاولى يتحدث ولي العهد السعودي عن أن تعاون بلاده مع الجماعات الإسلامية ونشر الفكر الوهابي إبان فترة الحرب الباردة، كان بإيعاز من الولايات المتحدة لمواجهة الشيوعية في كل مكان، مؤكدا أن بلاده قررت التعامل مع أي شخص أو جهة يمكن استخدامها للتخلص من الشيوعية. ويبدو أن «بن سلمان» لم يعد يطيق ترديد سؤال اليمن على مسامعه، حيث عبر عن انزعاجه من سؤال محاوره عن اليمن، قائلا: «نحن لا نريد المجيء إلى هنا، لتطرح علينا هذه الأسئلة. نريد أن تطرح علينا أسئلة عن الاقتصاد وعن شراكاتنا وعن الاستثمار في أمريكا والتنمية في السعودية.. نحن لا نريد أن نقضي حياتنا في النقاش حول اليمن. هنا لا يتعلق الأمر بمسألة الاختيار، بل يتعلق بمسألة الأمن والحياة بالنسبة لنا». ولعل الحملات الشعبية التي واجهت «بن سلمان» في أوروبا وأمريكا باتت تمثل صداعا له، وخاصة أن العديد من ممثلي منظمات المجتمع المدني الدولية عبروا عن مطالبهم بمحاسبة النظام االسعودي وولي عهد المملكة باعتباره «مجرم حرب». وبالرغم من ذلك اعترف «بن سلمان» أن خيار الحرب في اليمن يمكن توصيفه بـ«السيء»، لكنه قال إنه «في بعض الأحيان يكون لديك قرارات سيئة وقرارات أسوأ». فيمحاولة لتبرير استمرار الحرب في اليمن رغم نتائجها السلبية على كافة الأصعدة. وفيما يخص الداخل السعودي، حاول بن سلمان تقديم تبرير للقيود الاجتماعية داخل المملكة باعتبارها جاءت كرد فعل للثورة الإيرانية، حيث قال: «قبل العام 1979 كانت هناك عادات اجتماعية أكثر مرونة، ولم تكن هناك قوانين للولاية في السعودية، لم تكن النساء ملزمات بالسفر مع أوليائهن الذكور. لكن العكس يحدث الآن، ونتمنى إيجاد طريقة لحل هذا الأمر بحيث لا يضر بالعائلات ولا يضر بالثقافة». فيما حاول بن سلمان التهرب من سؤال عن إمكانية تحول المملكة لنظام ديمقراطي، حيث تحدث عن عروض ووعود ليس لها علاقة بتغيير النظام السياسي، قائلا: «ما يمكنني فعله هو تشجيع قوة القانون. ويمكننا تحسين حقوق المرأة -وفق ضوابطنا- وتحسين الاقتصاد. يوجد لدينا تحديات هنا، لكن يجب علينا القيام بها». وحاول تقديم تفسير لطبيعة النظام السياسي في بلاده عبر قاعدة العبرة بالغاية لا بالوسيلة، حيث قال «الغاية هي التنمية والحقوق والحرية، التي ترى النظرة الأمريكية أن الطريقة للوصول إليها هي الديموقراطية، لكن الطريقة للوصول إليها في السعودية تكون عبر نظامنا الأكثر تعقيدا». ولكن السؤال الملح هو: هل بالفعل يقود النظام السياسي بالمملكة لتحقيق الغاية التي ذكرها بن سلمان، فقد انتقد محاوره الاستدلال على مناخ الحرية بعدم حظر موقع «تويتر». بينما حاول ولي العهد السعودي رسم 3 خطوط حمراء شديدة المطاطية لتبرير ما تمارسه السلطات من قمع واعتقال للمفكرين والعلماء والدعاة. حيث اعتبر أن الخط الأول هو الإسلام، فلا يمكنك تشويه سمعة الإسلام أو التجاوز عليه، والخط الثاني هوالبعد عن التجاوزات الشخصية، فيما اعتبر أن الخط الثالث هو الأمن القومي. وقدم بن سلمان أيضا تبريرا جيوسياسيا لممارسات النظام السعودي، معتبرا أن المملكة يحيط بها تنظيم «داعش» و«القاعدة» و«حماس» و«حزب الله» والنظام الإيراني، والقراصنة، على حد تعبيره. وإجمالا، فقد اظهر ذلك الحوار أن ولي العهد السعودي عازم على استكمال مسيرته المثيرة للجدل، في إعادة تقديم المملكة للعالم، وإعادة تشكيل تحالفاتها وتموضعها الإقليمي والدولي، متأثرا برؤية وسردية رفيقه الشاب ولي عهد أبوظبي «محمد بن زايد». |