فيليب ستافورد بعد ساعات فحسب من اتخاذ المملكة المتحدة قرارها بمغادرة الاتحاد الأوروبي، تصاعدت أصوات الوسطاء في مكاتب شركة آيكاب في لندن، في سعيهم لإبرام الصفقات لمتداولي المصارف. من خلف صفوف شاشات الكمبيوتر المحتشدة، في مكتب عقود التأمين المتبادل على أسعار الفائدة الأوروبية، يقفز أحد الوسطاء من على مقعده ليصرخ معلنا سعر العقد: “من ست سنوات إلى أجل عشر سنوات” لزميله المجاور له. وهما بدورهما، محاطان بكمية كبيرة من الشاشات والأضواء الساطعة، ينقلان السعر عبر الهواتف الملتصقة بآذانهما، مثل فصل دراسي يردد سطورا بعد قراءتها من قبل المدرس، بينما هما ينقلان العرض إلى المتداولين في االمصارف. “إنها لي”، يصرخ وسيط آخر ويتم إبرام الصفقة ما بين اثنين من العملاء اللذين يمثلان المصرف العميل الخاص بكل واحد منهما. مرحبا بكم في عالم الوسطاء متبادلي الصفقات، وهو ترس يساعد في تشحيم ماكينة التداول العالمي عبر مجموعة من الأسواق، بدءا من أسعار الفائدة والسلع والعملات وصولا إلى أنواع متعددة من المشتقات للمصارف العالمية. في لحظات مثل التصويت للخروج من الاتحاد الأوروبي، تلعب عمليات الوساطة المذكورة دورا حاسما في تسهيل إبرام صفقات بعيدا عن أسواق البورصة. وعملت السوق التي تعرف باسم السوق الموازية OTC على تدعيم العولمة خلال السنوات الـ 30 الماضية. الآن، يجري تحويلها من قبل القوانين التنظيمية المتشددة واقتصادات الصناعة الضعيفة والاعتماد الأوسع نطاقا للتكنولوجيا. لا توجد أي شركة تجسد تجارة الوساطة الهائجة والمنطلقة في إبرام الصفقات مثل شركة آيكاب، مع وجود مكاتب لها حول العالم تتبع نظام التداول العالمي على مدار الساعة. باستثناء، أن المجموعة الآن قررت الانفصال عن الماضي وشق طريق جديد لها. كان الوسطاء الذين يبرمون التداولات بأصواتهم هم حجر الزاوية في أعمال شركة آيكاب عندما حولها الرئيس التنفيذي مايكل سبنسر من شركة ناشئة قوية، ركزت في ذلك الوقت على السوق الوليدة آنذاك والخاصة بالمشتقات، إلى شركة تبلغ قيمتها ثلاثة مليارات جنيه استرليني تقوم بتنفيذ صفقات بقيمة 1.3 تريليون دولار يوميا. يعمل سبنسر الآن على فصل قسم التداولات الصوتية وبيعه إلى شركة منافسة، هي توليت بريبون، في الوقت الذي يركز فيه على التداولات الإلكترونية وآليات تعديل وإصلاح السوق. يقول أمين الخزانة الأسبق لحزب المحافظين الذي يبلغ من العمر 61 عاما “الأمر الكبير هنا هو كيفية عمل السلسلة الغذائية وكيف ستعمل بشكل مختلف جدا جدا.. إنه تغيير هيكلي مادي في سوق البورصة الموازية. في رأيي، لا تختلف كثيرا عن التحرير الكبير لأسواق المال في أواخر الثمانينيات عن سوق الأسهم”. قبل 30 عاما كان التحرير الكبير لحظة جوهرية بالنسبة إلى الأسهم في لندن. حيث عمل إلغاء الضوابط التنظيمية على إنهاء العمولات الثابتة، ما كان إيذانا بالتداولات الإلكترونية. كما عملت على البدء بطفرة في إدارة المخاطر. احتاجت الشركات الكبرى التي اتجهت نحو العولمة إلى أدوات معقدة للتحوط من مخاطر سعر الفائدة السلبية أو تحركات العملة. من أجل هذا الغرض، احتاجت إلى مصارف استثمارية كبرى ومعها ولدت سوق المشتقات العالمية الحديثة. عملت المصارف على إنجاز معاملات أسعار الفائدة وسندات الشركات والعملات وصفقات الائتمان وعملت على التحوط من مخاطرها في أسواق العقود الآجلة. ومن ثم حصلت الأزمة المالية، ما حفز شن حملة تنظيمية من قبل صناع السياسة. عملت القواعد الجديدة المفروضة على الرفع المالي على زيادة التكاليف أمام المصارف إذا أرادت استخدام ميزانياتها العمومية لاقتناء المخزون، أو التداول وتمويل التعاملات في أسواق المشتقات في السوق الموازية. عدم تقديم المساعدة للمصارف للتجول في عالم أكثر تكلفة في إنجاز الأعمال التجارية كانت نتيجته الضغط على عائدات السندات وتقلبات السوق بسبب سياسة المصارف المركزية، ما عمل على تقليل الحاجة ما بين الشركات ومديري المحافظ الاستثمارية لاستخدام المشتقات للتحوط من المخاطر. مع ذلك، إذا توقع صناع السياسة حدوث تحول في سوق المشتقات نحو البورصات، فإنهم شعروا بخيبة الأمل. في تقرير صدر حديثا، قال بنك التسويات الدولية “إن الابتكارات والإصلاحات تبدو أنها جعلت من أدوات سوق البورصة الموازية أكثر جاذبية”. تقدر المجموعة الاستشارية في بوسطن، الهيئة الاستشارية لأسواق رأس المال الأمريكية، بأن الربحية المتأتية من تداولات الدخل الثابت والسلع والعملات، انخفضت من 70 في المائة “59 مليار دولار” من إجمالي أرباح الخدمات المصرفية الاستثمارية العالمية إلى 44 في المائة “26 مليار دولار” في غضون ثلاث سنوات فقط. يقول إيريك ليتفاك، رئيس الاستراتيجية التنظيمية في بنك سوسييتيه جنرال “تعمل التكاليف الاقتصادية على دفع قرارات الشركات والأعمال. كان هذا نموذجا حاولنا فيه تقديم عديد من الخدمات قدر الإمكان لعدد كبير من العملاء قدر الإمكان. الآن، يتعين علينا اتخاذ قرارات صعبة تتعلق بما تقدمه”. بالنسبة إلى المصارف، الأولوية هي الحفاظ على علاقاتها بالعملاء، بحسب ما يقول أندرو روس، الذي أمضى 14 عاما في بنك مورجان ستانلي. وهو يصف سوق الدخل الثابت بأنها “منهارة أساسا”، وأحد الأسباب في أنه الآن يشغل منصب الرئيس التنفيذي لشركة كيرف جلوبال، وهي منصة جديدة في المملكة المتحدة لتداول المشتقات الخاصة بأسعار الفائدة. بالنسبة إلى البعض، النتيجة صارخة. يقول تود فان نيم، الرئيس العالمي للتداولات الإلكترونية للعملات والسلع في “بلومبيرج”، “يحاول كثير من المصارف أن يحدد ما إذا كان من المعقول اقتصاديا أن يكون صانعا رئيسيا للسوق، وقرر البعض أنهم لا يرغبون في أن يكونوا كذلك”. الجهات التي تتدافع لسد الفجوة الرامية إلى تشحيم الأسواق العالمية هي سلالة جديدة من صناع السوق الإلكترونيين الذين لا يتقيدون بقواعد رأس المال. الشركات مثل سيتادل للأوراق المالية وشركة فيرتو المالية تسيطر على الحركة في عقود التأمين المتبادل على أسعار الفائدة وسندات الخزانة الأمريكية على التوالي، في حين إن بنك “إكس تي إكس” في المملكة المتحدة، هو الآن أكبر من بعض أكبر المصارف من حيث الحجم في أسواق العملات الأجنبية. تقدر المجموعة الاستشارية في بوسطن بأن أكثر من خمسة مليارات دولار من إيرادات صناعة السوق، انتقلت إلى بدائل مثل متداولي التردد العالي وبعض كبار مديري الأصول أيضا. في الوقت الذي تتغير فيه السوق، هنالك دعوات للحصول على منتجات جديدة. يقول راسل ديناج، مستشار في جري سبارك، هيئة استشارية لأسواق رأس المال، “إن ما هو مطلوب هو جيل جديد من المنتجات التي لا تُثقِل الميزانيات العمومية، التي تكون مدرجة في البورصات ويمكن تخزينها من قبل المستثمرين المؤسسيين”. بالنسبة إلى مديري الشركات والمحافظ الاستثمارية الذين يسعون إلى حماية مخاطرهم، يمكن أن يجلب لهم هذا العالم الجديد مشاعر متباينة. تقول بارب ماكينزي، كبيرة الإداريين التشغيليين في شركة المستثمرين العالميين الرئيسية، صندوق لإدارة الأصول لديه أصول قيد الإدارة بقيمة 400 مليار دولار “إن الوضع يصبح أكثر شفافية. في العالم القديم، كان يمكنك أن تجلس وتقوم بافتراضات حول الرسوم التي تدفعها”. وتضيف أن “هذا ينطوي على عيوب. الموضوع هو أنه لا أحد لديه مخزون. يتعلق الأمر الآن فقط بالعثور على الجانب الآخر للتداول. سابقا، كان يتعين عليك معرفة المصارف واللاعبين. وهم يمكن أن يعرفوا ما هو المخزون الذي تريده”. كما أن جعل سوق البورصة الموازية أكثر شبها “بسوق البورصة” أمر له عيوبه الخاصة به. حيث إن نموذج البورصة ينجح من خلال محاولة اجتذاب أكبر حجم ممكن. في المقابل، تتخصص سوق البورصة الموازية في تحريك كميات كبيرة وغير سائلة من الأصول. لا تزال االمصارف تحمل كثيرا من البطاقات الأفضل. إذ يمكنها تقديم الخدمات الائتمانية وخدمات المقاصة لهذا النوع الجديد من العملاء، ولا تزال لديها متطلباتها الخاصة بها. تقول بلومبيرج “إنها تقضي كثيرا من الوقت في إجراء البحوث بخصوص الوقت المناسب لربط صناع السوق الإلكترونية الجديدة بمنصتها. يشعر الآخرون بالقلق بخصوص ما إذا كانت شركات صناعة السوق فائقة السرعة، بما لديها من ميزانيات عمومية صغيرة، ستكون متاحة في سوق تعاني الإجهاد”. يقول رئيس واحدة من شركات إدارة الأصول الكبرى “ليست لدي ثقة بتقديم صناديق التحوط السيولة، لأنها ستقوم بذلك فقط عندما يناسبها الوضع”. وحيث إن المصارف لا تزال تقتضي أن تقوم سوق البورصة الموازية بالتسويق لكل من الشركات واحتياجاتها التمويلية الخاصة بها، ربما تكون السوق تمر بفترة من إعادة التعديل اللازمة بعد سنوات من التجاوزات. شركات مثل توليت وشركاء مجموعة بوسطن الاستشارية، التي ستصبح قريبا من المنافسين السابقين لشركة آيكاب في سوق الوساطة للصفقات الداخلية، تراهن على أنه يمكنها أن تُغرِق عالم التداولات الصوتية والإلكترونية بمعلومات حيوية عن السوق. يقول جون فيزاكيرلي، الرئيس التنفيذي لشركة توليت “إن أسواق البورصة الموازية تعتمد على تدخل ودعم الوسطاء النشطين بسبب السيولة والعمليات التشغيلية الفاعلة”. بالنسبة إلى سبنسر، التراجع المتزايد المصارف - العميل الوحيد من الوسطاء في عالم الصفقات على مدى عقود - يفسر رفضه لوساطة التداولات الصوتية لمصلحة التداولات الإلكترونية. يقول سبنسر “إن رغبة المصارف المتراجعة في مجال المخاطر تعني أنه سيتعين فتح أسواق البورصة الموازية أمام مجموعة جديدة كاملة من المشاركين في السوق. في البداية، ستكون على شكل شركات إلكترونية مثل سيتادل وفيرتو ودي آر دبليو وكثير من الأسماء الأخرى... كثير من الناس يتركون المصارف لتأسيس منافذ ومنصّات تداولات مستقلة. وهذا الاتجاه لن يتوقف”. |