فيليب ستيفنز
دونالد ترامب يريد فرض رسوم جمركية عقابية على الصين. وهيلاري كلينتون تعارض اتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادئ التي تضم 12 دولة، والتي أشادت بها في الماضي باعتبارها المعيار الذهبي لجيل جديد من صفقات التجارة الحرة. والجمهوريون يتبنون مطالب الديمقراطيين من أجل تجارة «عادلة». الولايات المتحدة، مهندسة النظام العالمي المفتوح، تنطوي على نفسها. بقية العالم ينبغي أن يستعد. هذا أكثر بكثير من العواطف السياسية الفجة التي يحييها سباق الرئاسة الأمريكية. جولة الدوحة الفاشلة لمنظمة التجارة العالمية شهدت نهاية تحرير التجارة متعددة الأطراف التي تمنحنا الاقتصاد المعولم. فشل اتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادئ من شأنه الترحم على الصفقات الكبيرة متعددة الأطراف التي وعدت ببديل. كانت التجارة الحرة بمنزلة مصدر قوي للازدهار. وها هي الآن فقدت الشرعية السياسية. والأمر ليس فقط في الولايات المتحدة، الشعبويون الأوروبيون من اليسار واليمين، على غرار ترامب، يشتركون في الدعوة لوضع الحواجز. ويأمل المتفائلون أن الحمائية التي ظهرت في الولايات المتحدة ستكون دورية، وستعود الأمور إلى وضعها الطبيعي بمجرد انحسار ضجيج السباق الرئاسي. بعد التحرر من التحدي الرئيسي لبيرني ساندرز، ستجد هيلاري، الخليفة الأرجح للرئيس باراك أوباما، طريقة لتغيير رأيها مرة أخرى. لكن يمكن تهريب اتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادئ من خلال الكونجرس خلال الفترة الفاصلة الأخيرة بعد انتخابات تشرين الثاني (نوفمبر). مثل هذا الأمر هو الخطة التي يتبناها البيت الأبيض برئاسة باراك أوباما ومجموعة متضائلة من الجمهوريين المخلصين لإرث التجارة الحرة الخاص بهم. كل الأدلة تشير في الاتجاه الآخر. العولمة أصبحت قديمة. استنتج مراقبو واشنطن البارعون أنه، بحسب تعبير أحدهم، «ليست هناك أية فرصة» أمام الرئيس التالي أو الكونجرس التالي - مهما كان الحزب - لدعم اتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادئ. أما بالنسبة لاتفاقية الشراكة في التجارة والاستثمار عبر المحيط الأطلسي TTIP التي يجري التفاوض عليها الآن، التي تهدف إلى دمج الاقتصادين الأمريكي والأوروبي، فهي مجرد خيال. ضرب ترامب على وتر حساس لدى دوائره الانتخابية الرئيسة بإلقائه اللوم على الأجانب في العلل الاقتصادية في أمريكا. مع ذلك، ردة الفعل ضد التجارة الحرة تصل إلى ما هو أعمق من الشعبوية الرخيصة. شهدت الطبقات المتوسطة دليلا ضعيفا لا يذكر على المكاسب التي وعدت بها التجارة الحرة من الصفقات الماضية. الجمهوريون الذين يخشون أنهم خسروا الرئاسة بالفعل، لا يريدون المخاطرة بتسليم الكونجرس للديمقراطيين المؤيدين للتجارة العادلة.بعض المشاكل تتعلق باتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادئ. الفوز المرتقب بالنسبة للولايات المتحدة يميل بشدة نحو شركات التكنولوجيا على الساحل الغربي. وتعتقد شركات التصنيع الأمريكية أنها ضمنت القليل من باب الحصول على إمكانية وصول أفضل إلى الأسواق الآسيوية، وتشتكي أن الصفقة ستترك الشركات الأمريكية عرضة للتلاعب في العملة من قبل الشركات المنافسة في الخارج. أمريكيون كثر من الذين يرغبون في منح أصواتهم إلى ترامب يتساءلون عما إذا كانوا يحصلون على أي شيء من صفقات التجارة. التجارة الحرة دائما ما توجد خاسرين، لكن الآن يبدو أنهم يتفوقون على عدد الفائزين. ليس هناك ما هو شعبوي في ملاحظة أن العولمة شهدت نسبة الـ 1 في المائة الأعلى تستولي على نسبة أكبر بكثير من الثروة الوطنية. طبيعة صفقات التجارة الحرة تغيرت. كانت تتعلق بالرسوم الجمركية والآن هي تركز على المعايير والقواعد التنظيمية، وحقوق الملكية الفكرية، وخصوصية البيانات، وحماية الاستثمار. هذه قضايا تضرب بجذورها عميقا عبر التفضيلات السياسية والثقافية الوطنية. لا بأس في تخفيض رسوم الاستيراد، لكن إقناع الناخبين بتخفيف القواعد على حماية البيانات، أو قبول قواعد جديدة على سلامة المواد الغذائية، فهذا أمر مختلف لا شأن له بالأول. الحسابات الجيوسياسية تحولت أيضا. بالنسبة للديمقراطيات المتقدمة في العالم، تحرير التجارة بعد الحرب العالمية الثانية كان بمنزلة فوز لكلا الجانبين بشكل بدهي. بالتأكيد كانت توجد مصلحة ذاتية لدى الولايات المتحدة، لكنه أيضا أدى إلى فائدة على نطاق أوسع. الصفقات التجارية مع أوروبا والحلفاء الآسيويين لأمريكا عززت على الفور النمو في تلك المناطق، ووفرت الأسواق للصناعة الأمريكية، وعززت المعركة ضد الشيوعية السوفياتية. دخول الصين إلى منظمة التجارة العالمية في عام 2001 غير الأمور وجعل بكين أكبر مستفيد من النظام التجاري المفتوح. هناك رد حاسم واضح هو أن اتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادئ واتفاقية الشراكة في التجارة والاستثمار عبر المحيط الأطلسي سوف تعيدان التوازن. فمن شأنهما ترسيخ التكامل الاقتصادي للديمقراطيات المتقدمة وتشكيل قواعد تنظيمية للبقية. الفشل من شأنه إرسال رسالة قوية حول تراجع قيادة الولايات المتحدة وعدم ترابط الغرب. والصين، التي تعمل بالفعل على تحويل القوة الاقتصادية إلى أداة جيوسياسية من خلال قيادة التكامل في آسيا، ستكون الفائز الواضح.الناخبون لا يستمعون. التجارة الحرة جيدة بالنسبة للعالم - بالنسبة للمستهلكين في الغرب وبالنسبة لمليارات الناس في الاقتصادات الناشئة التي خرجت من الفقر. تراجع الولايات المتحدة لن يشير إلى نهاية اتفاقيات التحرير الثنائية والاتفاقيات الإقليمية الأصغر. الصين ستبذل كل ما في وسعها لتسجيل جاراتها في البدائل الإقليمية لاتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادئ. لكن دون الولايات المتحدة، سيتم فقدان قوة الدفع الأساسية نحو التحرير. عندها سيكون الخطر هو تراجع تدريجي إلى الحمائية الصريحة. ليس هناك حل سريع. فترة طويلة من النمو وارتفاع الدخل قد تساعد. وستساعد أيضا السياسات الفعالة للحماية من تأثير التحرير على الخاسرين. تستطيع الولايات المتحدة أن تبدأ من خلال إعادة إنعاش برنامج المساعدة في التكيف مع التجارة، الذي تم إدخاله في أعقاب اتفاقية التجارة الحرة لأمريكا الشمالية في عام 1993. لكن الوضع السياسي الحالي الذي يتسم باستياء الطبقة الوسطى يتطلب استجابة تصل إلى مسافة بعيدة وراء إدخال برامج أفضل لإعادة التدريب والتأهيل والوظائف. طالما أنه ينظر إلى العولمة على أنها مشروع يخص النخب السياسية والأغنياء، فإنها تحمل بداخلها بذور فنائها. |