حسن الوزاني تبدو ظاهرة التوقف عن الكتابة والنشر أمرا مُشتركا بين مجموعة من الثقافات الإنسانية. غير أن حدتها وتجليات امتداداتها تختلف بالتأكيد باختلاف السياقات السوسيوثقافية واللحظات التاريخية، حيث تربطُ أدبيات سوسيولوجيا الأدب الظاهرة بحركية الأجيال، باعتبار أن سيرورة الإنتاج الفكري تتأسس على تعاقب مجموعات من الكتاب، بشكل يتم معه الحديث عن إمكانية “احتلال” الساحة الثقافية الأدبية أو الثقافية من طرف كتاب جدد، وانحصارِ إنتاج بعض كتاب الجيل السابق. وانسجاما مع الهاجس العلمي لفهم الظاهرة، تقترح الدراسات الإحصائية الببليوغرافية الجديدة، والببليومترية منها أساسا، مقاربة مغايرة تتأسس على التمثيل الإحصائي لحركية الإنتاج الثقافي والفكري وخصوصياته وظواهره، حيث يتم التأكيد على احتمال انخفاض إنتاجية مجموعة من الكُتاب وتوقف مجموعة منهم عن الكتابة أو النشر، داخل الجيل نفسه أحيانا، وذلك من خلال التنصيص على التناسب العكسي بين عدد الكتاب وحجم الإنتاج. وذلك بمعنى أن عددا أقل من الكتاب ينتج عددا أكبر من الإسهامات، حسب ما يعرف بقانون لوتكا. وتكشف إعادةُ قراءة سيرورة الكتابة والنشر عن تباين عوامل الظاهرة وحِدتها بحسب مجالات الكتابة ولغاتها، ثم تعدد مستوياتها وتراوحها ما بين التوقف عن النشر، والتوقف عن الكتابة، وتغيير مجالها، وانحصار قيمتها أحيانا. وتتعدد حالات التوقف، بشكل تبدو معه أمرا مشتركا بين مختلف الأجناس الأدبية. ويذكر في هذا الإطار قراء مرحلة الستينات، مثلا، العديد من الأسماء الأدبية المغربية التي نشرت أعمالها الأولى لتودع، لسبب أو لآخر، الكتابةَ، بشكل مؤقت أحيانا، ونهائي أحيانا أخرى. أذكر منها، على سبيل المثال، الكاتبة المغربية زينب فهمي المعروفة باسمها المستعار رفيقة الطبيعة. وقد نسجت حضورها الخاص من خلال مجموعاتها القصصية الثلاث (رجل وامرأة، 1962، تحت القنطرة، 1976، ريح السموم، 1979)، ثم اختارت أن تنسحب بشكل مفاجئ. كما تتجلى إحدى الحالات في الشاعر المغربي عبدالإله كنون الذي يعتبر أحد شعراء جيل الستينات الأساسيين، وكان محمد بنيس قد تناول تجربته ضمن كتابه “ظاهرة الشعر المعاصر بالمغرب”. كنون كتب مبررا توقفه عن الكتابة والنشر باشتغاله في مهنة المحاماة، والتي “فرضت عليه معايشة أنماط بشرية في منتهى التفاهة”.كما تتجلى إحدى امتدادات الظاهرة في التحول من الكتابة والنشر إلى حقل معرفي آخر مع القطع في الكثير من الأحيان مع الاهتمامات الأدبية السابقة. ويندرج في هذا الإطار الباحث المغربي طه عبدالرحمن، الذي اهتم في بداية مساره بكتابة الشعر، وذلك قبل أن يتفرّغ نهائيا للبحث في المنطق وفلسفة اللغة. ليس عسيرا بالتأكيد ركوب عربة الكتابة. الأصعب هو الاضطرار إلى النزول في محطة قصية. اسمها الحياة. |