نسرين المكّي
“وللماء ليله أيضا “مجموعة شعرية جمعت فيها الشاعرة “هندة محمد” زلالات الكلمات وخطت بأنامل رقيقة على قيثارة الاحرف فدندنت سمفونية عذبة أطربت المسامع وانتشت منها الأروح فشعر هندة محمد هو مولود جديد من صهوات غيمة شعرية أمطرت زخات نقية من عبير الكلمات إستطاعت فيها الشاعرة ان تروي ظمأ أرض الشعر بعد جفافها لتنثر بذور مثمرة وتحصد حصاد وافر وان تصنع أكفانا غسقية لنهاية رثاثة الكلمات وبداية عروجها من جديد نحو عوالم من الارتواء بماء ليلها الصافي … كتبت الشاعرة بإحساس انثيات الصبابة والوجد و شغف حواء الشعر الى التلحف بذرات الماء قائلة في قصيدتها “سمي الماء “: سمي الماء منك يمر نهري وهذا الليل فيك سليل فقدي أيا طفل المدائن فيك أسري وبي شغف المسافة بعد وجدي هنا تمر الشاعرة على زقاق الحرف فتطرق ابواب مدائنه مستشعرة فتنة الماء ساكبة حكاياها على نهره مفتونة بنزفه الشبقي الذي تشكله أحجيات السديم ،غير ان الشاعرة حاولت الدخول الى الأغوار وإخراج الإرهاصات المنفعلة وهي تبحث عن صوت أزلي من بين أصوات النص ليكون التوتر في إفرازها لمحاكاة انسياب الماء وعذوبته وضمن مخاض هذا التوتر كانت الشاعرة قد رسمت لوحة انثوية بارعة، ومهما تجولت في عالمها الشعري فإنني مازلت لم أشبع ولم ارتوي كلما قرأت نصا من نصوصها أصابني خرج لا أعرف مغزاه وينفتح ذهني على بواخر الأحرف فأتلقى إشارات لموحيات نفسية ووجدانية تؤصل عمق الثراء الفني والمخزون الإبداعي الهائل في ذاتية الشاعرة إننا إزاء مجموعة عبارة عن لوحة فسيفسائية مصنوعة بدقة وحرفية في السبك فهي تحسن تجويد الكلمات وتفخيمها و التلاعب بالألفاظ بين تقديم وتأخير ليكون إخراج اللوحة جمالية جامعة لما هو فني ومضموني انه لا شيء جميل حينما نرى شاعرة تلقي بأسلحتها أمام الترسانة المرعبة للغة لتستعمل أسلحة أكثر فتاكة وإنسجاما مع القصائد إنه لا شيء جميل حينما تزحف جيوش كلماتها كاالحشود المبعثرة فوق ساحة الوغى يكون فيها القلم قائد الأسطول المدجج بالأحرف والأوزان . وختاما يبقى قلم هندة محمد كريشة فنان يحول كل مادة أمامه إلى رسمة بديعة المنظر .
|