عادل العامل عندما وجه الإرهابيون يوم الثلاثاء الماضي ضربتهم الغادرة إلى بلجيكا فقُتل فيها مَن قتل وفزع فيها مَن فزع هناك وفي اوروبا والولايات المتحدة الأميركية وغيرها، تذكرت ما فعله البلجيكيون والمخابرات المركزية الأميركية القذرة وعملاؤها في الستينيات برئيس وزراء الكونغو الشاب بياتريس لومومبا وكيف قتلوه بطريقة سافلة واسقطوا حكومته الوطنية التقدمية وجاؤوا بعملائهم ليحكموا البلد ويواصلوا مسيرة هيمنتهم على مقدراته، وحماية المصالح الغربية، على حساب بؤس الشعب الكونغولي ومصائبه المختلفة الناجمة عن الاستعمار المتوحش، والمستمرة إلى الآن. فقد جاء في موسوعة (ويكيبيديا) أن لومومبا واثنين من رفاقه نُقلوا من معتقلهم ليلاً، بعد أشهر من الضرب، في سيارات أميركية إلى بقعة أشجار في منطقة مستنقعات بقيادة ضابط بلجيكي. وكان معه رئيس إقليم كاتانغا تشومبي وآخرون من عملاء الاستعمار البلجيكي ــ الأميركي. وهناك أُعدم الثلاثة رمياً بالرصاص، «وقد أصبح جسد رئيس الوزراء السابق كالغربال لكثرة ثقوب الرصاص، وامتلأت الأرض بعد التنفيذ بنحو نصف كيلوغرام من الرصاصات الفارغة .. وتم التخلص نهائيا من الجثث بعد أربعة أيام بتقطيعها إلى قطع صغيرة وإذابتها في حامض الكبريتيك. ونفذ هذه المهمة ضابط شرطة بلجيكي .. وكان الحامض في شاحنة مملوكة لشركة تعدين بلجيكية». ولست منطلقاً في ذكري للواقعة، أو تذكري إياها، من شماتةٍ بالبلجيكيين بعد «غزوة بروكسل» الهمجية المشينة التي قام بها «جنود الخلافة» الداعشية، ذلك أن الذين قُتلوا في مطار بروكسل ومحطة المترو ليسوا بالتأكيد البلجيكيين الذين ارتكبوا تلك الجريمة الوحشية في الستينيات، أو الذين يشاركون في الحملة «الصليبية» على داعش الآن، وإنما هم أناس أبرياء لا علاقة لهم بذلك الفعل المشين وغيره من جرائم الاستعمار البلجيكي السيّئ الصيت التي لم تكن تختلف في قسوتها ووحشيتها وشموليتها عن جرائم هؤلاء الإرهابيين أنفسهم. وبالتالي لم يكن ذلك ثأراً لرئيس الوزراء الكونغولي الشهيد بقدر ما هو عض لليد التي أحسنت إليهم ورعتهم ومنحتهم الجنسية البلجيكية وبركاتها، وبقدر ما هو تنفيذ للمخطط الشيطاني العالمي الهادف إلى تشويه الدين الإسلامي من خلال جعل غلاة «المؤمنين» به أدواتٍ تنفيذ لهذا المخطط، ونشر الفوضى «الخلاقة» في الشرق الأوسط ترسيخاً للمصالح الأمبريالية فيه وتحويله إلى منطقة ممزقة وفاشلة لتسهيل الهيمنة عليه على الدوام. وإيواء بلجيكا وغيرها من الدول الغربية الاستعمارية لجاليات البلدان النامية المستعمرة سابقاً، والتي يتخرج منها هؤلاء الإرهابيون، لم يكن، بطبيعة الحال، بدافع إنقاذها من الأوضاع المزرية في بلدانها الأصلية، لأنها يمكنها أن تفعل هذا وبشكل أوسع من خلال مساعدة هذه البلدان على تحسين أوضاعها التي أوصلها الاستعمار إليها أصلاً فلا يضطر أحد من شعوبها للمغامرة بمصيره واللجوء إلى هذه الدول الغربية ليعيش في تجمعات منعزلة وهامشية وبائسة تصبح بطبيعتها هذه حاضنات للجرائم والمخدرات والتنظيمات الإرهابية، كما هي الحال الآن في بلجيكا، وفرنسا، وبريطانيا، والولايات المتحدة، على سبيل المثال، فالغاية من تسهيل هذه الدول لقدوم المهاجرين من البلدان المستعمرة سابقاً إليها بمختلف الوسائل والشعارات الإعلامية، منذ «استقلال» هذه البلدان وحتى يومنا هذا، هو الاستفادة من خبرات بعض هؤلاء المهاجرين، ومن استعداد البعض الآخر للقيام بما لا يرغب الأوروبيون البيض في القيام به من أعمال، وتجنيد مَن يستطيعون تجنيده كجواسيس، ومرتزقة، وربما إرهابيين أيضاً!. ومثل هذه الغاية غير الشريفة، المنسجمة مع تاريخ الاستعمار وطبيعته الاستغلالية المعروفة، لا يمكن إلا أن تتمخض عما يجانسها من النتائج السيئة حين لا تصبح هناك فسحة من فائض الخير لسكان الدول الاستعمارية بسبب أزماتها الاقتصادية المتتالية، وتزداد مشاكل الجاليات فيها، وينقلب السحر على الساحر في إطار المخطط الأمبريالي للهيمنة على مقدرات الشعوب في الشرق الأوسط أو غيره من مناطق العالم. وعليه، فإن هذه الدول لن تستطيع القضاء على ظاهرة الإرهاب أو غيره من الإفرازات السيئة مع وجود حاضناته على حالها واستمرار مخططها الأمبريالي الجاري الآن. يمكنها أن تفعل ذلك في حالتين فقط: إصلاح الظروف المعيشية والاجتماعية للجاليات المقيمة فيها على النحو الذي يدمجها في مجتمعاتها الأوروبية، أو مساعدة البلدان الأصلية لهذه الجاليات على تحسين أوضاعها الداخلية بالشكل الذي يوفر العيش الكريم والعدالة الاجتماعية لأبنائها جميعاً، والتخلي عن مخطط الهيمنة الآنف الذكر على الشعوب الأخرى تماماً. وهذا ليس من طبيعة النظام الرأسمالي الذي يحكم هذه الدول .. تلك هي المشكلة!.
|