د. علي حسون لعيبي
أسئلةُ المجهول بين فكرة وأخرى ترابط واختلاف. نتفق أحيانا وقد نختلف. سيناريو حياتي مستمر. لكن من يستوعب من هنا القضية الأساسية التي يجب أن نتحاور عليها من خلال تجاوز الشكليات غير المهمة. وأفضل مفسر ومحلل لهذا الأمر، هي الثقافة الواعية وبشكل خاص الأدب. إن الاستيعاب الإنساني لمدخلات ومخرجات الحياة تشكل محاور جوهرية في اختيار اسلوبك في العيش والتعامل. هكذا يفكر الشاعر العراقي باسم عبدالكريم الفضلي، وهو يجتاح بدقة هوامش يعتقد أنها لا تشكل هدفا أو موضوعا أمام قضية الإنسان كإنسان. وأبرزها موضوع الحب والكره والفرح والحزن والتفاؤل والاستلام. تلك المتناقضات الحياتية التي يبدو أنها صبحت حتميات تاريخية.لكن كيف نهذبها تلك هي مسؤوليتنا الأخلاقية ككتاب وأدباء في أن نحد من القسوة حتى لا تصل للدموية. والسعادة بحيث لا تصبح بطرا والحزن لبكاء مفرط.من يستطع أن يحل لغز هذه الإشكالية في النفس البشرية يتمكن من الوصول لخيوط التواصل الحضاري. حاورته مرة ذلك الباسم من خلال أسئلة ذاتية ربما بدون دراية منه عن وجهته السماوية وكيف يرى ذلك الفضاء العملاق المذهل المدهش، وتلك مفردات الهم الإنساني وعملية التزاوج القيمي بينهم. استوحيت اجاباته من نقطة رأس سطر أو فراغ يخشى البوح به أو تتابع حرفي لمعنى يحبه والسؤال هنا: هل يخشى الوضوح، ومن ثم الغور في فلسفة وجود الأشياء وتفاعلها أم أن تلك الموجودات هي التي تعبر عن كينونتها؟ كان باسم مصيبا واحيانا.. لا يلتفت انه قد يكون أخطأ. يواصل المسير.. والمتابعون.. هم من يشاركوه في التشطيب والانزياحات الموضوعية. ربما هي هكذا يوتوبيا الحياة. اسم “يوتوبيا” هو مصطلح يصف الدولة الفاضلة حيث يكون كل شيء مثاليا للبشر، وتكون كل قيم العدل والمساواة متوفرة وجميع الشرور مثل الفقر والبؤس والأمراض غير موجودة. هذا الوصف والعديد من الأشياء الجميلة، وأصل الكلمة كان في كتاب “يوتوبيا” المنشور عام 1516 من تأليف توماس مور واعتمد في أفكار مدينته الفاضلة على أفكار أفلاطون في كتاب الجمهورية. ماذا يريد الشاعر أن يقول عن السعير الأزرق. وعن هذا السهو المتعمد للسراب حتى السراب يا باسم! يسهو واحتمال كبير حتى ان لا يصل معناه. ولا هو، وماهية تلك التمنيات التي تقطعها لو.. ولولا.. وهذه التفاحة المعلقة في أعلى شجرة متخمة بالثمر.. متى يذوق ذروة طعمها..بلا عقد وقوانين: لولا... يسهو سرابُ السراجِ المسعور.. فينزعَ طيلسانَ السفرِ الى... ... سلالمِ السُّلافةِ المستنبئةِ... لولا... لو...لا.. لو.... يَسكُبُ ليصَفْوَ الصمتِ .. ليتبدَّدَ السعيرُ الأزرقُ الشراع ... ولا يمسحُ عَرَقَ السنينِ نبراسُ المهدِ الخامدِ الشلال ... ما معنى الحرمان...؟؟ كلُّ شيءٍ دان... أمدُّ يدَ اللذةِ الى تفاحةِ الخُلدِ... لكَم تحومُ حولي.. لا تكِلُّ... آه....متى تحُطُّ....؟؟ مساماتي شَرانقُ بثورِ الزمن../ إحساسٌ ما.. أقوى من سائرِ الجنونِ يحملُ خمودي على إدمانِ البحلقةِ. ويأتي الجواب سريعا صريحا .. لا بد من تحول نوعي هو يسميه “سلخ”.. وانا أسميه “نسخ” برؤية جديده تستوعب العقول والقلوب. وقد نتمكن من خلاها تبديل مفاهيم وتغير قدسية معاني. لكن ستأخذ منا حيزا كبيرا في الرفض الموضوعي لها.. فيقول الفضلي: لا بدَّ إذاً من سَلْخِ جِلدِ الأنفاس .. فالقمرُ يرتدي ما تُلقى إليه من .. أسمال.. ولتنتظرِ المعاني والصفاتُ والأسماء... وراءَ بابِ اللسان الحجري .. فلا ريشَ للكلمات...لا غشاءَ بكارة... وأسئلةُ المجهول ... محاصرة بحرابِ سِنِيِّ اللحظةِ المتساقطةِ القسمات. ويبدو أن هنالك تداخل ما بين أن ترغب وما متوفر. وهنا عليك ان تختار بين الاقتحام والثورة والتمرد والتجدد وبين السكون والتردد والجبن والخنوع. عندها تتحدد عندك أفق رغباتك التي سُلبت والتي ستسرق عنوة منك إذ لم تحدد طريقة المجابهة الفعلية للاحداث. وشتان بين وبين.. اذا هو القرار.. وتجاوز المعاتبة والاستجداء: و .....عواصفُ الزفيرِ المسروقِ الحنايا تتداخلُ في أنفاسِ بِركةِ السنينِ الآسنة ... لترسمَ ..... لـِ.......ـتَـ........ـر..سُـ.ـمَ وجهاً للإرادةِ المؤجَّلة في عالمٍ يعجُّ باللاغاية .... فالغيبوبةُ نسيانٌ أفيونيُّ الحرمان في زمنِ الشروعِ المرتّقب ... ومع السوداوية القاتمة لعالم اليوم حيث تعج لغة المصالح فوق الانسان. وتصبح الغاية هي التمركز حتى ولو على حساب البشر. ولعل ما حدث في بغداد تلك العاصمة التاريخية الزاهية من بؤس وتهديم بفعل ممنهج أثار جميع من زارها ورآها. فأين شارع الرشيد وليالية البهية. كان هناك على جرف دجلة يناديك .. شريف وحداد. غادر شارع النهر وهو يحمل ذكرى ملايين العرسان.. كل شيء هرب مع ذلك الزمن الجميل.. فكانت قصيدة الشاعر باسم عبدالكريم الفضلي: “ركامُ بغ ... داد / مغامرةُ استجماعِ شظايا الذات...” تصوير غير مبالغ لما جرى ويجري.فوّاحةٌ رائحةُ الظُّلمةِ عندَ تقاطُعِ الخطواتِ في أزقةِ البتاوين .. تغريني أن أخلعَ ملامحَ أنايَ، أتنفَّسُ غباري معجوناً بنتانةِ عرصاتِ غنجي حين كنتُ أرتدي قُزَحَ المسبح، تتشبَّحُ الموجوداتُ من حولي أرى أنساغَها القيئيةَ تدبُّ في شرايين ذهولي المصلوب على باب المعظم .. فلا يخطرُ أمامي إلا ما أُشيِّؤُهُ .. أُلجمُ نظراتي .. أسماءٌ عظميَّةُ العروشِ غزتْ مُخيِّلتي وتستبيحُ ضحكاتِ أبي نواس على أرصفةِ الرشيد .. تَغرِزُ في وجهي مخالبَ أنصابِ الصدأ.. لتُعمِّدَ أقداحَ انتشائي بكرنفالاتِ خرائبِي .. لا وقْعَ زفرةٍ ينتشلُني من مملكةِ تشهّي إندثاري. تلك المدينة التي أصبحت ثكنة عسكرية .. في كل زواياها شرطي.. وعلى أبوابها قاذفات لهب.. كل شيء مدجج بالموت.. فيقول الشاعر الفضلي في وصف ذلك: فالكونكريتُ البرمكي النَّفيِ يميطُ لثامَه .. يتقنَّصُني .. وأنا .. مسلوخُ الشوارع .. ومُهَيَّيءٌ للرقصِ على شفراتِ الإجتثاث؛ متى تذكرتُ براعمَ قسماتي لآخرِ مرَّة ..؟؟ سأسألً كبيرَ الحراميةِ الأربعين.ومع اليأس الذي أشاركه معه.. وأعيشه .. لكن بغداد دائما تنهض من ركامها.. تنتفض وتعود.ماذا إذا انتظرتُ ظِلَّيَ ألصادرَهُ أربابُ مَن يثملُهُ نجيعي..؟؟ وقتَها سيعدو كلُّ ما فيَّ .. عدا قدميَّ فهما مغروزتان في جسرِالأئمة .. فلأُحلِّقْ فوقَ ساحةِ التحريرِ من بنفسجيةِ محارقي .. باحثاً عن أول حضنِ عانقتُ فيهِ حبيبتي .. أردتُ ... إلى هناك .. و.. أبَتْ قدمايَ .. وغادرَت أمنيتي دُورتَها .. فموعدُ النحر الجديدِ لرأسي .. سيحين .. أأزليٌّ إنسلاخي .. ؟؟ في الأُفقِ .. يعانقُ حاضري غدي .. فويقَ جثمانِ توقُّعي .. فمن يقتلعُ جذورَ الماءِ من دمي...؟؟ سيكون لنا حضور آخر نحن الشعب.. مصدر كل شيء .. يمكن ان يتجاهلنا الحاكم جولة لكن نحن معه في جولات. هكذا تقول النبؤة.. المدن لن تموت.. والشعوب تتواتر.. والظالم يندحر. هذا بعض من الكثير لشاعر أراه تملك أدوات النص وأبحر بنا نحو فلسفة الوجود الذاتي والجمعي. هي هواجس شاعر متقد جدا.
|