باسم الكناني تشهد الساحة العراقية لحظة مفصلية بعد إعلان نتائج الانتخابات البرلمانية الأخيرة، إذ برزت قوى المقاومة كفاعل سياسي رئيس إلى جانب حضورها العسكري والأمني، هذه القوى تجد نفسها أمام تحديات معقدة من جهة ضغوط أمريكية متزايدة لتقليص نفوذها، ومن جهة أخرى مطالب داخلية بضرورة تحييد السلاح والانخراط في العملية السياسية بشكل كامل. أفرزت نتائج التصويت الأخيرة تقدّم ائتلاف الإعمار والتنمية بزعامة محمد شياع السوداني، مع حضور قوي للإطار التنسيقي الذي يضم قوى المقاومة في محافظات جنوب والفرات الاوسط. هذا التوازن البرلماني جعل من مجلس النواب ساحة مواجهة بين مشروعين متباينين (مشروع الدولة المدنية) الذي يركز على الخدمات والاقتصاد، ومشروع المقاومة الذي يضع السيادة ومواجهة النفوذ الأمريكي في المقدمة في الوقت ذاته، تواصل الولايات المتحدة الضغط على بغداد لتقليص دور الفصائل المسلحة، خصوصاً تلك المرتبطة بالحشد الشعبي، ما يضع القوى المقاومة أمام تحديات معقدة تتطلب إعادة صياغة استراتيجياتها. تواجه قوى المقاومة عدة تحديات أساسية، أبرزها مطلب تحييد السلاح داخلياً وخارجياً لضمان أن تبقى القرارات بيد المؤسسات الرسمية، وهو ما يضعها أمام اختبار صعب بين الحفاظ على أدوات الردع وبين الانخراط في الدولة. كذلك، يبرز تحدي العمل السياسي الذي يفرض ضرورة التحول إلى قوة برلمانية منظمة قادرة على صياغة القوانين والتأثير في السياسات العامة، أما على الصعيد الدولي، فإن الضغوط الأمريكية وحلفائها تتزايد عبر العقوبات والضغط الدبلوماسي، في حين أن الحفاظ على الشرعية الشعبية يتطلب خطاباً وطنياً جامعاً يتجاوز الاصطفافات الإقليمية ويعزز الثقة الداخلية. قد تلجأ قوى المقاومة إلى الاندماج في الحشد الشعبي بشكل كامل كأحد مؤسسات الدولة الأمنية، وهو خيار يخفف الضغوط الدولية ويعزز صورة الدولة، لكنه في المقابل قد يقلل من أوراق الضغط التي تملكها المقاومة في مواجهة واشنطن. يمكن للمقاومة أن تبني كتل سياسية واسعة داخل البرلمان لمواجهة الطلبات الأمريكية عبر أدوات تشريعية وقانونية هذا المسار يمنحها شرعية سياسية ويتيح لها التأثير المباشر على القوانين، لكنه يتطلب تنازلات وتحالفات مع خصوم سياسيين، وهو ما قد يحد من استقلالية قرارها. يبقى خيار الاستمرار في استخدام السلاح كورقة ضغط ضد واشنطن قائماً، وهو يحافظ على قوة الردع لكنه قد يعرّض العراق لعقوبات وصدامات جديدة، أو يؤدي إلى عزلة دولية ويضعف الاقتصاد العراقي بشكل خطير. إن قوى المقاومة العراقية اليوم أمام مفترق طرق حاسم إما أن تتحول إلى قوة سياسية مؤثرة داخل البرلمان، أو أن تستمر في الممانعة المسلحة مع ما يترتب عليها من مخاطر داخلية وخارجية. نجاحها في المرحلة المقبلة يعتمد على قدرتها على الموازنة بين السلاح والسياسة، وعلى صياغة خطاب وطني جامع يضع السيادة العراقية فوق كل اعتبار. من منظور استراتيجي، فإن مستقبل المقاومة في العراق لن يتحدد فقط عبر مواقفها الداخلية، بل أيضاً بواسطة قدرتها على إدارة علاقاتها الإقليمية والدولية بذكاء، فالتوازن بين الانفتاح على المجتمع الدولي والحفاظ على هوية وطنية مستقلة سيكون العامل الحاسم في رسم ملامح المرحلة المقبلة، ان أي انزلاق نحو المواجهة المفتوحة قد يضع العراق في دائرة الأزمات، بينما الانخراط الواعي في العملية السياسية قد يمنح المقاومة فرصة لتثبيت حضورها كجزء من النظام الديمقراطي، لا كقوة خارجة عنه. |