محمد صادق الحسيني إلى الموهومين الذين صنعوا نتيجةً لحرب أيلول ثم هرعوا لتفسيرها ، يبحثون عن أسبابٍ لشيءٍ لم يقع إلا في خيالهم ، ويغرقون في التحليل وهم من شدّة جهلهم يقلبون الحقائق ، وينقّبون عن عثرات صاحب الإنجاز التاريخي الأكبر . عند قياس الضربة الافتتاحية في حرب أيلول ٢٠٢٤ بمنهج رقميّ حسابيّ ، يتبيّن أننا أمام عملٍ حربيٍّ تاريخيّ ، لم تشهد البشريّة مثيلًا له منذ آدم ، بل لم تقترب أيّ حربٍ في التاريخ من ٢٠٪منه ، لا من حيث العدد المجرد للغارات ، بل من حيث كثافة القوة من حيث الزمن والمساحة . ففي اليوم الاوّل ، وعلى رقعة جغرافية محدودة لا تتجاوز الجنوب والبقاع ( حوالي ٤،٠٠٠ كلم مربع ) ، أُفرغت طاقة نارية تعادل حرفيًا ما تعرّضت له دول كاملة عبر أسابيع أو أشهر من الحروب الحديثة . ( ١٦٠٠ غارة في اليــــوم الاول و مجموع ٤٠٠٠ غارة في اول ٣ ايام ) لك أن تتخيل أن الضربة الافتتاحية في حرب تموز لم تتجاوز ال ١٠٠ غارة ! وأن إيران مثلًا ، بمساحتها المليونية ، تعرّضت ل ١٥٠٠ غارة في كل حرب ال ١٢ يومًا . أو اليمن بمساحته الهائلة وجغرافيته المعقّدة ، تعرّض لحوالي الألف غارة في ٥٥ يومًا من الولايات المتحدة. الولايات المتّحدة نفسها التي صممت عقيدة “الصدمة والترويع” (Shock and Awe) لغزو العراق ٢٠٠٣ والتي تهدف إلى تدمير إرادة الخصم في القتال من خلال استخدام القوة الغاشمة بسرعة فائقة ، بشكلٍ يتجاوز قدرة الخصم على الفهم أو الرد ، شنّت في الضربة الافتتاحية ١٧٠٠ غارة اول ٢٤ ساعة ، وكان ذلك اليوم هو الأكثف ناريًا في التاريخ ، قبل ٢٣ أيلول ٢٠٢٤ ، فإذا قسنا ال ١٧٠٠ غارة على مساحة العراق (٤٣٨ الف كلم مربع ) ، يكون حزب الله قد تعرّض ل ٥٠ ضعف العقيدة المصممة للصدم والترويع . وأيضًا الفارق الكبير بنوع الغارات التي استهدفت لبنان والتي نُفذت بقنابل انزلاقية ثقيلة من فئة MK-84 ، حيث يشكّل معظم وزن القنبلة رأسًا متفجرًا فعليًا , بخلاف الضربات بعيدة المدى المستخدمة ضد دول كبرى ، التي يُستهلك جزء كبير من وزنها في الوقود والدفع ، وعليه فإن الكتلة التفجيرية التي أُسقطت خلال ساعات معدودة على الجنوب والبقاع لا سابقة لها في التاريخ ! هنا الخطأ الاستراتيجي الجوهري الذي وقع فيه الجميع كان في تعريف ما جرى ، فأخذوا يقيسون الأحداث بما كان قد أُعلن سابقًا عن أهدافنا للحرب القادمة ، ما حصل منها وما لم يحصل ! بينما كان يجب على من رأى ووعى ، أن يعرف أن الذي جرى ليس حربًا ولا قتالًا ، وليس بين طرفين , ليضعهما على الميزان ثم يتحفنا بتوزيع النقاط ، من أخطأ ومن أنجز ! لقد برز الكفر كله لحزب الله في ايلول ، وصمّم ضربةً لا يُمكن حتى تخيّلها ، بل لا يمكن تخيّل عُشرها !! وأراد بها الإفناء في اليوم الأوّل ، فلا يهم معها إن كنت جاهزًا أم مقصرًا ، فالنتيجة في خوض حربٍ منفردًا ضد كل أهل الكفر مجموعين محسومة! إنّ النقاش حول ما إذا كان الحزب جاهزًا أو مقصّرًا هو نقاشٌ خارج المنطق من أساسه ، لأن الضربة الافتتاحية لم تُصمَّم لاختبار الجهوزية ولا لقياس الأداء ، بل صُمِّمت لتجاوز سقف أي قدرة ممكنة على الاحتمال ! تمامًا كما لا يُسأل عن متانة وصلابة السدّ المائيّ حين يُفتح عليه محيطٌ كامل ، ولا يُحاسَب الجسد على ضعفه او قوته إذا صدمته شاحنة بسرعة كبيرة ، كذلك فإن أي منظومة بشرية ، مهما بلغت من إعدادٍ أو كفاءة ، لا يمكنها أن تحدّ أو تحتوي قوة أُسقطت بكثافة وزمن ومساحة تلغي المعادلة قبل أن تبدأ ! عند هذا المستوى من التصميم ، تسقط مفاهيم الاستعداد والتقصير حسابيًا ، ويغدو السؤال عنهما ترفًا فكريًا لا علاقة له بالواقع ، لأن النتيجة كانت محسومة في لحظة القرار ، لا في لحظة التنفيذ . ( على سبيل النكتة : قيل أن النساء الجنوبيّات نظّفّن بيوتهنّ قبل نزوحهنّ ، فإذا دُمِّرَ البيت يكون نظيفًا = هنا وإن كان الموضوع مزاحًا فهو تمامًا كمن يسأل عن استعداد او تقصير الحزب بعد هكذا ضربة افتتاحية ) وبعد هذا كلّه ، لا يبحث العاقل عن أسبابٍ لما جرى ! فالبقاء ذاته هو الحدث التاريخيّ ، والشهادة على هذا الصمود ، والخروج من تحت الركام ، ومن حافة المستحيل هو الذي يجب أن يُحلَّل ويُبحَث ، وتُعقَدُ لأجله الجلسات وتَعمَل لفهمه البودكاستات ! طبعًا الكلام كلّه هنا للباحثين عن أجوبة ، الذين لا يأنسون الا بالمحسوسات . أما الراسخون ، أهل الصبر 7تت في قلوب اعدائهم الرعب … *بسم الله الرحمن الرحيم فَأَنْجَيْناهُ وَ الَّذِينَ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَ قَطَعْنا دابِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَ ما كانُوا مُؤْمِنِينَ . |