محمد السوداني في توقيت سياسي بالغ الحساسية، قدّم ائتلاف الإعمار والتنمية وثيقته إلى قادة الإطار التنسيقي بشأن آليات اختيار مرشح الكتلة الأكبر لمنصب رئيس الوزراء، في خطوة تعكس إدراكاً عميقاً لخطورة المرحلة المقبلة، ومحاولة جادة للانتقال من منطق التسويات المؤقتة إلى منطق الدولة والمؤسسات. هذه الوثيقة لا يمكن فصلها عن سياقها العام، ولا عن التجربة الحكومية الحالية التي أفرزت معطيات سياسية وتنفيذية بات من الصعب تجاهلها. تنطلق الوثيقة من خمس ركائز أساسية، في مقدمتها احترام إرادة الناخب، وهو مبدأ جوهري أعاد محمد شياع السوداني الاعتبار له عملياً، من خلال التزامه بخطاب انتخابي وبرنامج حكومي تحوّل في جزء كبير منه إلى سياسات وإجراءات ملموسة على الأرض. إن أي حديث عن احترام إرادة الناخب لا يستقيم دون البناء على التجربة القائمة التي ما زالت تحظى بقبول شعبي نسبي واستقرار سياسي غير مسبوق قياساً بالسنوات السابقة. أما الركيزة الثانية، التي تشترط أن يتمتع المرشح بتجربة ناجحة في إدارة الدولة، فهي تتقاطع بشكل مباشر مع واقع حكومة السوداني، التي واجهت ملفات شائكة في الاقتصاد والخدمات والعلاقات الخارجية والأمن، وتمكنت من إدارتها دون انزلاق إلى الأزمات الكبرى أو الصدامات المفتوحة. هذه التجربة، بغض النظر عن الملاحظات، تبقى التجربة التنفيذية الأكثر تماسكاً داخل الإطار التنسيقي في المرحلة الحالية. وتأتي الركيزة الثالثة، المتعلقة بامتلاك رؤية واضحة وبرنامج حكومي قابل للتنفيذ، لتضع محمد شياع السوداني مرة أخرى في صدارة المرشحين الطبيعيين. فبرنامج حكومته لم يبقَ حبراً على ورق، بل تُرجم إلى خطط تشغيل، واتفاقيات اقتصادية، وحراك خدمي وتنموي، ما يمنحه أفضلية واضحة مقارنة بأي مرشح جديد سيبدأ من نقطة الصفر في ظرف إقليمي ودولي معقّد. أما القبول الوطني، وهو الركيزة الرابعة، فقد نجح السوداني في ترسيخه عبر خطاب متوازن، وعلاقات منفتحة مع مختلف القوى السياسية، فضلاً عن إدارة عقلانية للعلاقة مع الإقليم والمحيط الدولي، وهو ما جنّب البلاد عزلة سياسية أو ضغوطاً خارجية حادة. هذا القبول لا يعني غياب المعارضة، لكنه يعكس قدرة على إدارة التعدد لا استفزازه. وفي الركيزة الخامسة، التي تشترط أن يكون المرشح من متبنيات الإطار التنسيقي، يبرز السوداني بوصفه خياراً توفيقياً جامعاً، لم يخرج عن ثوابت الإطار، ولم يحوّل الحكومة إلى أداة صراع داخلي، بل حافظ على وحدة الإطار ومنع تفككه في لحظات مفصلية. الوثيقة، وبواقعية سياسية محسوبة، طرحت بديلاً في حال عدم التوافق على هذه البنود، يتمثل في اعتماد الأوزان الانتخابية داخل الإطار التنسيقي. غير أن اللجوء إلى هذا الخيار يجب أن يبقى استثنائياً، لأن الأوزان وحدها لا تصنع الاستقرار، فيما تصنعه التجربة الناجحة والقيادة المجربة، وهو ما يجعل إعادة ترشيح محمد شياع السوداني خياراً أقل كلفة وأكثر أماناً سياسياً. إن القراءة المتأنية لوثيقة ائتلاف الإعمار والتنمية تقود إلى نتيجة واضحة: أن البنود الخمسة، إذا طُبقت بحرفيتها، تفضي منطقياً إلى إعادة ترشيح محمد شياع السوداني مرشحاً للكتلة الأكبر. الحل لا يكمن في البحث عن أسماء جديدة لإرضاء هذا الطرف أو ذاك، بل في تثبيت الاستقرار والبناء على ما تحقق، مع تطوير الأداء وتصحيح الأخطاء. العراق لا يحتمل مغامرات سياسية جديدة، ولا تجارب غير مضمونة. وإعادة ترشيح السوداني، ضمن إطار مؤسسي واضح، تمثل خيار الدولة لا خيار اللحظة، وخيار التـــــراكم لا القطيعة، وهو ما يجعل الوثيقة فرصة حقيــــقية لتوحيد القرار داخل الإطار التنسيقي، إذا ما غُلّبت مصلحة البلاد على حساب الحسابات الضيقة. |