محمد السوداني رغم ما حملته بطولة كأس العرب المقامة في قطر من تنظيم لافت وصورة بصرية أنيقة تعكس خبرة الدولة المستضيفة في إدارة الأحداث الكبرى، إلا أن هذه الجمالية سرعان ما فقدت بريقها داخل المستطيل الأخضر، حيث تحوّل التحكيم وتقنية حكم الفيديو المساعد (VAR) من أدوات إنصاف إلى عوامل إفساد واضحة لمسار البطولة. ففي العديد من المباريات، لم يكن الحسم وليد التفوق الفني أو الجاهزية البدنية أو القراءة التكتيكية للمدربين، بل جاء نتاج قرارات تحكيمية مثيرة للجدل، أسهمت بشكل مباشر في تغيير نتائج المباريات، بل وفي رسم هوية المنتخبات المتأهلة والمغادرة للبطولة. حالات طرد مبكرة، وركلات جزاء محتسبة بقراءات مجتزأة، وأخرى تم التغاضي عنها في مواقف متشابهة، لتصبح العدالة التحكيمية الغائب الأكبر عن نسخة كان يفترض أن تكون نموذجية. الأخطر من ذلك، هو الشعور المتنامي لدى المتابعين بأن هناك كيلًا بمكيالين في تطبيق القوانين، حيث تُشدّد القرارات على منتخبات بعينها، فيما تُمنح أخرى هامشًا واسعًا من التساهل، سواء في الالتحامات، أو في الحالات داخل منطقة الجزاء، أو حتى في استخدام تقنية الفار نفسها. هذه الازدواجية أفقدت البطولة عنصر التنافس النزيه، وفتحت الباب أمام تساؤلات مشروعة حول معايير الاختيار والتقييم التحكيمي. المنتخب العراقي كان أحد أبرز ضحايا هذا المشهد المرتبك، إذ خرج من المنافسة في مباراة لم تُحسم فنيًا بقدر ما حُسمت بقرارات تحكيمية مؤثرة، ساهمت في تغيير مجريات اللقاء، ومنح أفضلية غير عادلة للطرف الآخر. وهو سيناريو تكرر مع منتخبات أخرى، لتصبح الصافرة هي اللاعب الأبرز، لا النجوم ولا الخطط ولا الطموحات. تقنية الفار، التي وُجدت لتقليل الأخطاء وتحقيق العدالة، تحولت في هذه البطولة إلى أداة تزيد من الجدل بدل أن تنهيه، حيث طُبقت في لقطات، وغُيّبت في أخرى مماثلة، بما يوحي بأن المشكلة لم تعد تقنية بقدر ما هي بشرية في تفسير واستخدام هذه التقنية. إن بطولة بحجم كأس العرب، وبهذا الزخم الجماهيري والإعلامي، لا يمكن أن تُدار تحكيميًا بهذه الصورة المرتبكة، لأن النتيجة النهائية ستكون فقدان الثقة، وتراجع القيمة الفنية، وتشويه صورة المنافسة مهما بلغ مستوى التنظيم الخارجي. قد تكون الملاعب جاهزة، والجماهير حاضرة، والكاميرات تنقل بأعلى جودة، لكن حين يغيب العدل داخل الملعب، تفقد البطولات روحها. وما لم تتم مراجعة شاملة وجادة لمنظومة التحكيم وآلية استخدام الفار، فإن كأس العرب – للأسف – ستُذكر هذه المرة كبطولة أفسدها التحكيم مبكرًا، قبل أن تكتمل فصول المتعة التي انتظرها الشارع العربي. |