محمد السوداني في خضم مشهد سياسي مزدحم بالاستقطاب والحسابات المعقدة، يطفو على السطح خيار التمديد لرئيس الوزراء محمد شياع السوداني بوصفه أكثر السيناريوهات تداولاً داخل أروقة الإطار التنسيقي، ليس من باب المجاملة السياسية، بل باعتباره الخيار الأقل كلفة والأكثر قابلية لضمان عبور المرحلة المقبلة بأقل قدر من الاضطراب. العراق اليوم لا يقف عند مفترق أسماء بقدر ما يقف عند مفترق مسارات. فالنقاش لم يعد يدور حول من يتولى رئاسة الحكومة بقدر ما يتمحور حول الكيفية التي يمكن من خلالها تفادي تكرار دورات الانسداد السياسي، وما تجرّه من فراغ دستوري، وشلل تنفيذي، وارتدادات اقتصادية وأمنية يدفع ثمنها الشارع قبل النخب. من هذا المنطلق، يبرز خيار التمديد للسوداني كمعالجة سياسية واقعية لظرف استثنائي. فإعادة تكليفه تعني اختصار الزمن السياسي المهدور عادة في مفاوضات تشكيل الحكومات، وتجنّب الدخول في متاهات التوافقات الهشّة، وهو ما يمنح الدولة فرصة الاستمرار من دون توقف أو ارتباك، في وقت تتطلب فيه الملفات المفتوحة قرارات سريعة لا تحتمل التأجيل. كما أن الاستمرارية التنفيذية تشكل عاملاً حاسماً في ترجيح هذا الخيار. فحكومة السوداني تمسك بملفات خدمية وتنموية ما زالت في منتصف الطريق، وأي تغيير مفاجئ في القيادة قد يعيد ترتيب الأولويات من جديد، ويحوّل المشاريع إلى رهائن صراع سياسي بدل أن تكون أدوات إنجاز. وفي بلد أنهكته الوعود المؤجلة، تبدو الاستمرارية مطلباً شعبياً بقدر ما هي خياراً سياسياً. على الصعيد الخارجي، لا يمكن فصل النقاش الداخلي عن البيئة الإقليمية والدولية الضاغطة. فالعراق يتحرك في مساحة دقيقة بين الحفاظ على قراره السيادي وإدارة علاقاته مع القوى المؤثرة، ولا سيما الولايات المتحدة. وفي هذا السياق، يُنظر إلى السوداني بوصفه شخصية قادرة على إدارة هذا التوازن من دون استفزاز الخارج أو التفريط بالثوابت الوطنية، وهو ما يخفف من حدة الضغوط ويمنح صانع القرار العراقي هامش مناورة أوسع. سياسياً ودستورياً، يحمل خيار البحث عن بديل غير توافقي مخاطر الانزلاق إلى فراغ جديد، وهو سيناريو أثبتت التجارب السابقة كلفته العالية. فالذهاب إلى أسماء جديدة من دون توافقات ناضجة قد يعيد إنتاج الانسداد، ويضع النظام السياسي أمام أزمة شرعية وأداء في آن واحد، في وقت لا يملك فيه العراق ترف التجربة والخطأ. أما البعد الانتخابي، فيبقى عاملاً لا يمكن تجاهله. إذ ترى قوى فاعلة داخل الإطار أن المرحلة الماضية منحت السوداني رصيداً سياسياً وشعبياً متقدماً مقارنة بغيره، وأن التمديد له يعكس قراءة واقعية لموازين القوى داخل البيت السياسي الشيعي، وانسجاماً مع مزاج عام يميل إلى الاستقرار وتراكم الإنجاز لا القطيعة والمغامرة. في المحصلة، لا يُطرح التمديد للسوداني بوصفه خياراً مثالياً بقدر ما يُطرح باعتباره الخيار الأكثر أماناً في لحظة سياسية حرجة. فهو رهان على الاستقرار، وعلى إدارة المخاطر بدل القفز في المجهول، وعلى حماية ما تحقق من مكاسب، مهما كانت نسبية، من أن تبتلعها صراعات جديدة قد تعيد البلاد إلى نقطة الصفر. |