السوداني: يوم النصر يجب ان يخلد وملتزمون برعاية ذوي الشهداء الجرحى AlmustakbalPaper.net القائد العام يوجه بفتح مركز متقدم بكركوك وصلاح الدين لدعم المتضررين من السيول AlmustakbalPaper.net الاتحاد الأوربي يشيد بخطوات وزارة الداخلية في تعزيز الأمن الإقليمي AlmustakbalPaper.net نائبا رئيس مجلس النواب يهنئان بذكرى النصر ويؤكدان على ترسيخ الأمن والاستقرار AlmustakbalPaper.net المالية النيابية: الرواتب والنفقات التشغيلية لا تتأثر بتأخر تشكيل الحكومة AlmustakbalPaper.net
تحليل سياسي ... ‏الاقتصاد السياسي للتوظيف في العراق
تحليل سياسي ... ‏الاقتصاد السياسي للتوظيف في العراق
أضيف بواسـطة
أضف تقييـم
المستقبل العراقي / ‏محمد النصراوي
لايجوز تحول الجهاز الإداري للدولة من ماكينـة لخدمــة المواطن إلى  مؤسـسة رعاية اجتمـاعية
المطلوب إعادة تعريف شاملة لدور الدولة في الاقتصاد بالتحول الجذري من دولة «الريع والرعية» إلى دولة «الإنتاج والمواطنة» 
المطالبة بتفعيل القطاع الخاص دون إصلاح البيئة التشريعية والمالية هو نوع من العبث السياسي وذر الرماد في العيون

‏لم يعد ملف التوظيف في العراق مجرد أزمة اقتصادية عابرة يمكن حلها عبر مناقلات الموازنة أو استحداث درجات وظيفية طارئة، بل تحول إلى «عقدة سياسية» ومرض عضال يضرب في صميم بنية الدولة العراقية الحديثة، إن المشهد الحالي، الذي يتسم بتضخم «ليفي» في جسد القطاع العام، يقابله قطاع خاص هش ومحاصر، لا يعبر فقط عن سوء تخطيط إداري، بل هو انعكاس دقيق لخلل جوهري في «العقد الاجتماعي» بين السلطة والمجتمع في دولة ما بعد 2003، هذا الخلل جعل من الوظيفة الحكومية ليست مجرد فرصة عمل، بل حصة الفرد من ريع النفط، وبوليصة تأمين ضد المجهول في بيئة لا تؤمن بالاستدامة.
‏عند النظر بعين الخبير إلى الأرقام المتصاعدة لأعداد الموظفين الحكوميين، والتي تلتهم الجزء الأكبر من الموازنة التشغيلية للدولة، ندرك أننا أمام ما يمكن تسميته بـ «البطالة المقنعة الممولة نفطياً»، إن الدولة العراقية، وعبر عقود من الزمن، رسخت مفهوماً أبوياً يرى في التعيين الحكومي الأداة الوحيدة لتوزيع الثروة، والأهم من ذلك، الأداة الأسرع لشراء السلم الأهلي والولاء السياسي.
‏لقد تحول الجهاز الإداري للدولة من ماكينة لخدمة المواطن إلى «مؤسسة رعاية اجتماعية» ضخمة، تضخ الرواتب لأكثر من أربعة ملايين موظف (ناهيك عن المتقاعدين وشبكات الرعاية)، دون أي اعتبار لمعايير الإنتاجية أو الحاجة الفعلية، هذا التضخم الفوضوي خلق ثقباً أسود يبتلع أي فوائض مالية قد تنتج عن ارتفاع أسعار النفط، ويحرم البلاد من أي فرصة حقيقية للاستثمار في البنى التحتية أو التنمية المستدامة، جاعلاً الاقتصاد العراقي رهينةً كاملة لتقلبات سوق الطاقة العالمي.
‏في المقابل، يبدو الحديث الحكومي عن «القطاع الخاص» كبديل لاستيعاب جيوش الخريجين أشبه بالحديث عن سراب الصحراء، فالشاب العراقي حين يطمح للوظيفة الحكومية، لا يفعل ذلك كسلاً أو عجزاً عن الإبداع، بل هو يتصرف وفق «عقلانية اقتصادية» بحتة تمليها عليه ظروف الواقع، فالقطاع الخاص في العراق يولد ميتاً أو مشوهاً في ظل بيئة قانونية طاردة، ونظام مصرفي بدائي، ومنافسة غير عادلة مع بضائع المستورد الرخيص، وفوق هذا كله، غياب شبه تام لضمانات «الضمان الاجتماعي» وتقاعد القطاع الخاص.
‏كيف يمكن إقناع شاب بأن يترك وظيفة حكومية بمدخول ثابت وتقاعد مضمون، ليذهب إلى قطاع خاص قد ينهار مشروعه فيه بجرة قلم من موظف مرتشٍ، أو بسبب إغراق السوق بمنتجات دول الجوار؟ إن المطالبة بتفعيل القطاع الخاص دون إصلاح البيئة التشريعية والمالية (قانون العمل، الضمان، القروض، الحماية الجمركية) هو نوع من العبث السياسي وذر الرماد في العيون.
‏علاوة على ذلك، لا يمكن فصل ملف التعيينات عن «الزبائنية السياسية» التي تحكم المشهد العراقي، فالأحزاب السياسية الماسكة بالسلطة تتعامل مع الدرجات الوظيفية كعملة انتخابية، يرتفع مؤشر التعيينات بشكل جنوني قبيل كل دورة انتخابية، حيث يتم حشو الوزارات بآلاف الموظفين الجدد كنوع من المكافأة للقواعد الانتخابية، مما يفاقم من ترهل المؤسسات ويجعل من إصلاحها أمراً مستحيلاً، هذه الممارسة خلقت دورة حياة معطوبة: المواطن ينتخب من يوظفه، والسياسي يوظف ليبقى، والدولة تدفع الثمن من مستقبل أجيالها القادمة، هذا النمط من الإدارة جعل الدولة هي «المنافس» الأول للقطاع الخاص؛ فهي تحتكر الكفاءات عبر إغرائهم بالاستقرار، وتحتكر المشاريع، وتحتكر السيولة، مما يترك القطاع الخاص يقتات على الفتات أو يتحول إلى مجرد «مقاول ثانوي» يعيش على عقود الدولة.
‏إن الخطورة الكامنة في هذا الملف لا تتعلق فقط بالجانب المالي، بل بالجانب الديموغرافي والأمني، العراق يمر بمرحلة «الهبة الديموغرافية»، حيث تدخل مئات الآلاف من الأيدي العاملة الجديدة إلى السوق سنوياً، ومع عجز القطاع الحكومي عن الاستمرار في التوسع إلى ما لا نهاية (حيث ستصل الموازنة قريباً إلى نقطة العجز عن دفع الرواتب)، وعجز القطاع الخاص عن الاستيعاب، تتشكل طبقة ضخمة من الشباب الناقم، المتعلم، والعاطل عن العمل، هذه الكتلة البشرية هي وقود لأي اضطراب اجتماعي قادم، إن «طموحات الشباب القلقة» التي نراها اليوم ليست مجرد قلق على الرزق، بل هي قلق وجودي من انسداد الأفق، عندما يدرك الشاب أن الشهادة الجامعية لا تساوي شيئاً في ميزان السوق، وأن الواسطة والمحاصصة هما السبيل الوحيد للعيش الكريم، فإننا نؤسس لجيل فاقد للثقة بالدولة وبمفهوم المواطنة ذاته.
‏الحل، وإن كان يبدو مستحيلاً في ظل المعطيات الحالية، يتطلب جراحة مؤلمة لا تقوى الحكومات المتعاقبة على إجرائها خوفاً من الشارع، يتطلب الأمر فك الارتباط بين «النفط» و»الراتب» بشكل تدريجي، وتوجيه عوائد النفط نحو صناديق سيادية استثمارية تخلق مشاريع إنتاجية حقيقية، لا أن تُحرق كرواتب استهلاكية تذهب في النهاية لاستيراد بضائع من الخارج، كما يتطلب خلق بيئة «حماية اجتماعية» شاملة تجعل العمل في القطاع الخاص مساوياً في الأمان والمزايا للعمل الحكومي، بدون هذه الخطوات، سيظل العراق يدور في حلقة مفرغة: دولة تبيع النفط لتدفع رواتب لموظفين لا ينتجون شيئاً سوى المزيد من الأوراق البيروقراطية، وشباب يقف حائراً بين قطاع عام متخم ومغلق، وقطاع خاص موحش وغير آمن.
‏إن استمرار التعويل على استيعاب القطاع العام للمزيد من الموظفين هو بمثابة انتحار اقتصادي بطيء، اللحظة التي ستعجز فيها الدولة عن دفع الرواتب ليست بعيدةً إذا ما استمرت أسعار النفط بالتقلب واستمر التضخم الوظيفي بهذا المعدل؛ حينها، لن تكون الأزمة اقتصادية فحسب، بل ستكون أزمة شرعية سياسية قد تطيح بما تبقى من هيكلية الدولة، إن الخروج من هذا المأزق يتطلب ما هو أكثر من «مجلس خدمة اتحادي» أو «منصة توظيف إلكترونية»؛ إنه يتطلب إعادة تعريف شاملة لدور الدولة في الاقتصاد، وتحولاً جذرياً من دولة «الريع والرعية» إلى دولة «الإنتاج والمواطنة»؛ ودون ذلك، سنبقى نراقب العداد وهو يسجل أرقاماً كارثية لجيوشٍ من الموظفين وعاطلين عن العمل، يسيرون جميعاً نحو الهاوية المالية.

رابط المحتـوى
http://almustakbalpaper.net/content.php?id=91412
عدد المشـاهدات 25   تاريخ الإضافـة 11/12/2025 - 10:55   آخـر تحديـث 11/12/2025 - 15:19   رقم المحتـوى 91412
محتـويات مشـابهة
بذكرى النصر.. الولايات المتحدة: نجدد التزامنا بالشراكة مع العراق لبناء مستقبل مزدهر
السوداني : العراق أكد جدارته بين الأمم في بناء الخطط التنموية الرصينة
الأمم المتحدة: العراق يتجاوز عتبة الدول ذات التنمية البشرية العالية للمرة الأولى
العراق بين لحظة الاختيار وأمتحان الدولة: نحو قرار يصنع المستقبل
مئة عام على تأسيس الدولة العراقية.. سنين واعوام وعهود

العراق - بغداد - عنوان المستقبل

almustakball@yahoo.com

الإدارة ‎07709670606
الإعلانات 07706942363

جميـع الحقوق محفوظـة © www.AlmustakbalPaper.net 2014 الرئيسية | من نحن | إرسال طلب | خريطة الموقع | إتصل بنا