كاظم سلمان ابورغيف في خضم التحولات المضطربة التي يشهدها الإقليم، تبدو الدولة العراقية أشبه بسفينة تشق طريقها وسط أمواج متلاطمة. وفي مثل هذا السياق، تتقدم بعض المؤسسات ليس بسبب كمالها التنظيمي، بل بسبب صلابة الروح الكامنة فيها. ومن بين هذه المؤسسات يبرز الحشد الشعبي بوصفه قوة تحمل في داخلها عناصر تأثير تتجاوز البنية العسكرية التقليدية. قوة الحشد ليست في مركزية قيادته… بل في مركزية عقيدته لقد جرى الحديث كثيرًا عن إشكال اللامركزية القيادية داخل الحشد، وهي إشكالية واقعية لا يمكن إنكارها أو القفز عليها. بل إن الاعتراف بها هو الخطوة الأولى نحو تصحيح المسار بعيدًا عن الخطاب المجامل أو الموارب. غير أن مفارقة الحشد تكمن في أن نقاط ضعفه البنيوية لم تلغِ حضوره، ولم تمنع دوره، لأن القوة الحقيقية لهذه المؤسسة لم تُبنَ على صرامة الهيكلية بقدر ما قامت على: عمق أيديولوجي يحمله المقاتلون في ضمائرهم. ارتباط اجتماعي يجعلهم امتدادًا لمجتمعهم لا مجرد تشكيل عسكري. حافز عقائدي رسّخ شعورًا بالواجب يتجاوز الوظيفة والرتبة. إرادة قتال وُلدت من شعور بالدفاع عن الوجود لا عن الحدود فقط. هذه العناصر لا تتوفر لأي مؤسسة أمنية أخرى في العراق، بل قلّما تتوفر في محيطه الإقليمي بأكمله. الحشد كضمانة للدولة… لا كبديل عنها لا يمكن النظر إلى الحشد الشعبي بوصفه بديلاً للمؤسسات الأمنية، بل باعتباره طبقة حماية إضافية للدولة، خصوصًا في مرحلة ما بعد التفكك السياسي الذي ضرب المنطقة. إن وجود قوة تحمل هذه الروح وتتحرك بدافع حماية الدولة – لا طمعًا بكيان موازٍ لها – يشكل بوصلة انتماء تحتاجها الدولة في لحظات الارتباك. وما يجعل الحشد ضمانة حقيقية ليس فقط قدرته القتالية، بل قدرته على: منع أي اختراق داخلي تتحرك خيوطه من الخارج لإرباك الدولة. موازنة النفوذ الإقليمي المتصارع على جغرافيا العراق. حماية الجبهة الداخلية من مشاريع الفوضى المُدارة عبر وكلاء محليين. خلق توازن ردع نفسي وسياسي قبل أن يكون عسكريًا. اللحظة الحرجة: الحاجة إلى تطوير منظومته لا تجميلها إذا أردنا أن نحافظ على قوة الحشد دون الوقوع في ازدواجية الخطاب، فلا بد من التفريق بين جوهره القوي و بنيته التي تحتاج إصلاحًا. وهذا يعني: 1. تطوير منظومته الإدارية لضمان وحدة القرار وتقليل التجاذبات. 2. تأطير التوجيه السياسي والفكري للكوادر المتقدمة والقيادات الوسطية، لأن العقيدة بلا وعي سياسي تتحول إلى فوضى ولاء. 3. إعادة إنتاج سرديته الوطنية بما يعزز ارتباطه بالدولة لا بالمسارات المتضاربة. 4. بناء مركزية مرنة تحفظ روح الحشد دون أن تفرغه من استقلاليته الدفاعية. الخاتمة: قوة يجب تنظيمها لا ترويضها الحشد الشعبي ليس قوة مثالية، ولا مؤسسة مكتملة. لكنه قوة ضرورية، لأنه يحمل ما لا تحمله أي مؤسسة أخرى: روحًا جماعية تشعر أنّ بقاء الدولة من بقاء الناس، وأن الدفاع عنها ليس قرارًا عسكريًا بل تكليفًا أخلاقيًا. وما تحتاجه الدولة اليوم ليس أن تضع هذه القوة في قوالب جامدة، ولا أن تتركها تتشظى، بل أن تحسن إدارتها وترشيد مسارها كي تبقى كما أراد لها مؤسسوها: ضمانة لصون الدولة، لا طرفًا في تنازعها. |