ريما فارس الضربة التي طالت الضاحية امس لم تمرّ كخبر إضافي في سلسلة الأحداث، بل ظهرت كعلامة فارقة تُعيد ترتيب المشهد اللبناني بكل مستوياته. فالاستهداف جاء في توقيت مكتظ بالرسائل، حيث يحتدم الصراع في غزة، وتستمر الغارات على الجنوب، وتعيش البلاد على إيقاع مبادرات سياسية تبحث عن ثغرة للتنفس. لكن الضاحية هذه المرة بدت وكأنها نقطة ارتكاز، لا مجرد مساحة جغرافية. منذ بداية التصعيد، كانت إسرائيل تتحرك وفق إيقاع محسوب، يضغط من الأطراف ويختبر قدرة الداخل على الاحتمال. اليوم، تغيّر الإيقاع. استهداف الضاحية يعني أن المواجهة انتقلت من دائرة الأطراف إلى قلب المعادلة، وأن الاحتلال يريد توسيع رقعة الضغط ليشمل البنية السياسية والاجتماعية التي يعتبرها مؤثرة في موازين الردع. هذه الخطوة ليست عسكرية فقط؛ هي محاولة واضحة لرسم سقف جديد للمواجهة. في الداخل، تركت الضربة أثرًا يتجاوز الصدمة اللحظية. فالنقاش اليوم لم يعد فقط حول الخروقات أو الغارات، بل حول قدرة لبنان على إدارة مرحلة تتبدل فيها القواعد يومًا بعد يوم. في ظل غياب سلطة سياسية موحدة، وتشتت المواقف بين التحذير والانتظار، يجد اللبناني نفسه أمام واقع يحتاج إلى قراءة هادئة: البلاد تدخل منعطفًا قد لا يشبه ما سبقه، والضاحية كانت أول إشارة على ذلك. أما الجيش، فرغم الضغط، حاول إبقاء المشهد ضمن حدود الانضباط، مدركًا أن أي اهتزاز داخلي سيضاعف من خطورة اللحظة. في المقابل، تستمر المواقف الدولية بالتمايل بين دعم الاستقرار والتحريض الضمني على خيارات صعبة، ما يجعل لبنان في منطقة رمادية لا يستطيع الخروج منها بسهولة. اليوم، تشير ضربة الضاحية إلى أن الأسابيع المقبلة لن تكون هادئة. فالمعادلة التي كانت تُدار بصمت على الحدود، أصبحت علنية، وما ظهر على السطح ليس سوى جزء من مواجهة أوسع. ومع ذلك، لا يزال اللبنانيون يحاولون أن يعيشوا يومهم كأن البلاد ليست على حافة اشتباك كبير، وكأن ضجيج الانفجار لا يحمل معه سؤالًا عن الغد. من الواضح أن الضربة ليست نهاية فصل، بل افتتاحًا لفصل جديد، لا يُعرف اتجاهه بعد. ما هو مؤكد أن لبنان بات في مرحلة تتطلب وعيًا أعلى، وموقفًا أكثر صلابة، لأن ما بعد الضاحية لن يكون كما قبلها. |