عبد الزهرة محمد الهنداوي يشكل الاقتصاد غير المنظم، أو ما يُطلق عليه البعض مصطلح (اقتصاد الظل)، أهمية كبيرة وإن كانت غير ظاهرة للعيان، ذلك لأن صورة هذا الاقتصاد غير موثقة على نحوٍ دقيق. ولو حاولنا الدخول إلى المنطقة الخلفية للاقتصاد غير المنظم في العراق، لاكتشفنا تأثيره الواسع في تسيير دفة الاقتصاد الوطني، إذ تُظهر التقديرات أن مساحته تناهز 60% من حجم النشاط الاقتصادي الكلي، ما يجعله رافعة تنموية لا يُستهان بها. ولو جرى تنظيم هذا القطاع ولو بالحد الأدنى، لشهد الاقتصاد العراقي تحولًا ملموسًا في مجالات العمل والإيرادات والتنمية الاجتماعية. وربّ قائلٍ يقول: ما الذي سيتغير لو شُمل هذا الاقتصاد بعملية التنظيم؟ ففرص العمل ستبقى كما هي، ومجالات النشاط لن تختلف كثيرًا عن الاقتصاد المنظم. لكن الحقيقة، أن التنظيم — إذا ما جرى على أسس صحيحة — سيؤدي إلى تغيير نوعي في الواقع الاقتصادي والاجتماعي، فالعاملون غير المنظمين سيشعرون بالأمان والاستقرار لكونهم تحت رعاية الدولة وحمايتها القانونية. كما سيُتيح التنظيمُ إدماجَ مئات المشاريع الصغيرة والأنشطة المنزلية والورش غير المرخصة ضمن الإطار الرسمي، بما يضمن تحسين ظروف العمل وتقليل الهشاشة الاقتصادية. إن واقع الاقتصاد غير المنظم في العراق يضم آلاف الأعمال الصغيرة التي تُمارس في البيوت أو الورش البعيدة عن الأنظار، فضلًا عن العمالة الموسمية وعمال البناء والباعة المتجولين الذين يواجهون ضغوطًا معيشية كبيرة، ويتسبب انتشارهم غير المنظم أحيانًا في مشكلات خدمية وأمنية، مثل عرقلة المرور، وصعوبة وصول سيارات الإطفاء، والتجاوز على شبكات الكهرباء وغيرها من الظواهر اليومية. ومن الجانب الاقتصادي، فإن غياب التنظيم يجعل من الصعب قياس حجم التداولات النقدية أو معرفة عدد العاملين بدقة، ما يؤدي إلى فقدان الدولة جزءًا كبيرًا من الإيرادات الضريبية المحتملة، ويعقّد مهمة التخطيط الاقتصادي. إن تنظيم الاقتصاد غير المنظم في ظل القوانين الجديدة سيمثل ضمانة حقيقية لملايين الأسر التي تعيش في كنفه، كما أنه سيُسهم في بناء قاعدة بيانات دقيقة تُسند قرارات الدولة في مجالات التشغيل والتنمية الاجتماعية. ولنا في تجارب العديد من الدول دروسٌ مهمة، فقد تمكنت من تحويل اقتصاد الظل إلى قطاعٍ منظمٍ فاعلٍ تحت الضوء، بعد توفير بيئة آمنة ومطمئنة للعاملين فيه. ومن هنا، يمكن أن تكون الخطوة الأولى نحو التنظيم المنشود عبر إدارة وتنظيم عمل الباعة المتجولين، بوصفهم الصورة الأكثر وضوحًا للاقتصاد غير المنظم، وذلك من خلال إنشاء مجمعات تجارية حديثة أو تخصيص أماكن محددة لمزاولة نشاطهم، وتقديم التسهيلات والقروض الصغيرة التي تساعدهم على تطوير أعمالهم. كما ينبغي العمل على شمول العاملين الموسميين وعمال البناء بنظام الضمان الاجتماعي وقانون العمل، بما يعزز العدالة الاجتماعية ويحسن ظروف المعيشة، وفي المقابل، ينبغي طمأنة العاملين في الاقتصاد غير المنظم بأن هدف الحكومة من عملية التنظيم ليس فرض الضرائب، بل تحقيق الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي وضمان ديمومة أنشطتهم ضمن بيئة رسمية شفافة ومستقرة.
|