محمد السوداني لم تعد معادلة تشكيل الحكومة في العراق محكومة بحدود التنافس الانتخابي وحده، بل أصبحت عملية مركبة تتداخل فيها الفواعل الداخلية والخارجية لتحدد المسار الذي ستسلكه الدولة خلال السنوات المقبلة. وفي ظل التقدم اللافت لائتلاف الإعمار والتنمية وارتفاع منسوب الثقة بقيادته، تتجه الأنظار إلى كيفية استثمار هذا الواقع السياسي لبناء حكومة جديدة تولد بسهولة وهدوء، لا عبر مخاض صعب يشبه الولادة من الخاصرة كما شهدت مراحل سابقة من الحياة السياسية. على مستوى الفواعل الداخلية، تظهر القوى السياسية العراقية اليوم بوجه أكثر نضجًا، إذ باتت تدرك أن الاستقرار السياسي هو الشرط الأساس لتحقيق المكاسب الاقتصادية والاجتماعية التي ينتظرها الشارع. وتبرز هنا أهمية وجود قوة سياسية تمتلك مشروعًا واضحًا وبرنامجًا أثبت حضوره على الأرض، وهو ما قدمه محمد شياع السوداني خلال فترته الماضية، مما ولّد حالة من الاطمئنان والثقة داخل البرلمان والرأي العام. كما أن المزاج السياسي العام يميل نحو دعم الاستمرارية، لا الانغماس في صراعات تعيق البناء وتعرقل العمل التنفيذي، فيما يشكل ضغط الرأي العام قوة دافعة باتجاه اختيار طريق حكومي سريع التشكيل وواضح الرؤية. وفي المحور الخارجي، تبدو البيئة الإقليمية والدولية أكثر هدوءًا وتفهمًا للحاجة إلى استقرار العراق. فالدول المجاورة تنظر اليوم إلى العراق بوصفه ركيزة أساسية في التوازن الإقليمي، وتدرك أن استقراره يصب في مصلحة الجميع. أما القوى الدولية فهي تعتبر السوداني شريكًا قادرًا على إدارة الملفات الاقتصادية والأمنية بواقعية ومسؤولية، وهو ما خلق مساحة من الدعم الهادئ الذي يقلل من أي ضغوط قد تعرقل عملية تشكيل الحكومة. وقد ساهم تحسن البيئة الأمنية داخل العراق في الحدّ من فرص التدخلات الحادة أو المؤثرة التي كانت تربك المشهد في سنوات مضت. وبين مساري الولادة اليسيرة والولادة من الخاصرة، يبدو المشهد اليوم مهيأً لخيار أكثر هدوءًا ونضجًا. فهناك كتلة سياسية واضحة تمتلك مشروعًا معلومًا، وهناك رغبة شعبية في استمرار مسار الإعمار والتنمية، كما أن التفاوتات الحادة بين الكتل لم تعد بنفس حدة الماضي. هذه العناصر مجتمعة تخلق بيئة مواتية لولادة حكومة جديدة برئاسة محمد شياع السوداني، حكومة تبنى على تفاهمات هادئة واتفاقات متوازنة تمكنها من الانطلاق دون عرقلة أو شدّ سياسي مفرط. إن تضافر الفواعل الداخلية والخارجية اليوم يتيح للعراق فرصة حقيقية لتشكيل حكومة قوية، تستند إلى مشروع وطني واضح وإرادة سياسية داخلية وإشارات دعم إقليمية ودولية نحو الاستقرار. ومع توافر هذه الشروط، تبدو ولادة الحكومة المقبلة أقرب إلى المسار الهادئ المدروس، لا إلى المخاض العسير الذي أرهق التجارب السابقة، مما يفتح الباب أمام مرحلة أكثر رسوخًا من البناء والتنمية والاستقرار السياسي في البلاد. |