عماد آل جلال لم تكن الضربة الإسرائيلية للدوحة حدثاً عابرا في سجلّ الأزمات الشرق أوسطية، بل صفعة هزّت وجدان العواصم وأربكت العروش. فهنا، في قلب الخليج، حيث تُقام تحالفات وتُصاغ وساطات، جاءت النيران لتذكّر العرب والعالم بأن منطق القوة ما زال يعلو على منطق القانون. الولايات المتحدة، الحليف الأوثق لإسرائيل، وجدت نفسها هذه المرة في موضعٍ بالغ الحرج. كلمات ترامب المقتضبة “غير سعيد بالضربة” لم تخفِ حقيقة التردد الأميركي بين وفاء تقليدي لإسرائيل وحسابات استراتيجية تملي الحفاظ على قطر كحليف عسكري ووسيط دبلوماسي. كواليس واشنطن تعجّ بالرسائل الضاغطة على نتنياهو لعدم تكرار المغامرة، غير أنّ هذه الضغوط تُشبه همسات في ممراتٍ ضيقة، لا صرخات في قاعات القرار. غير أنّ حدود هذا الضغط مرهونة بحسابات السياسة الداخلية الأميركية، حيث يظل دعم إسرائيل ثابتاً لدى الجمهوريين والديمقراطيين على السواء. لذلك يميل أغلب المراقبين إلى سيناريو “التوازن الرمادي”: بيانات استياء علنية، وضغوط دبلوماسية غير معلنة، من دون إجراءات عقابية حقيقية. وعلى الضفة العربية والدولية، تدفقت الإدانات كالسيول، غير أن هذه المواقف، على سخونتها اللفظية، ما زالت حبيسة البيانات. التاريخ القريب يهمس بأن العرب غالباً ما يلوذون ببيانات الشجب، فيما تظل العلاقات مع إسرائيل أسيرة المصالح السياسية والأمنية والاقتصادية. لكن الضربة هذه المرة أصابت قلباً نابضاً في الجسد العربي: الدوحة، بما تملك من ثقل إعلامي ومالي ودور وساطة، ليست مجرد عاصمة عابرة. ومن هنا يبرز السؤال المرّ: هل يكتفي العرب بالتنديد أم يذهبون إلى أبعد من ذلك، نحو قطع أو تجميد علاقات أو خفض تمثيل دبلوماسي، ولو رمزياً، لإعادة الاعتبار إلى معنى السيادة؟ المشهد اليوم يضع العرب وأميركا والعالم بأسره على مفترق طرق. واشنطن تميل إلى إدارة الغضب لا اقتلاعه، والعرب يتأرجحون بين لغة الكرامة وحسابات المصالح. أما الدوحة، فهي تدرك أنّ ما حدث قد يحوّلها من وسيط هادئ إلى ساحة اختبار لمتانة المواقف. ولعل هذا الامتحان هو ما سيكشف: هل تبقى السيادة العربية ورقة خطابة، أم تتحوّل أخيرا إلى فعل يُكتب بمداد المواقف لا بحبر البيانات؟ |