علاء عبد الطائي مدخل: في ظل التحول الاستراتيجي في ظل ما يشهده العالم من اختلالات متسارعة في موازين القوى وتآكل تدريجي لشرعية القيم التي شكّلت مرتكزات السياسة الغربية يبدو المشهد الدولي مقبلاً على تحوّل مصيري.. تحوّلاً تقوده – على نحو غير مباشر – سلسلة من الأزمات العاصفة التي لم تُحسم بعد: .الحرب في أوكرانيا .التنافس الاستراتيجي مع الصين .المأساة في غزة .وأخيراً التعقيد المتزايد في الملف الإيراني. بات جلياً أن المفاهيم التي شكّلت أساس الهيمنة الغربية منذ نهاية الحرب الباردة – من حقوق الإنسان إلى “النظام الدولي القائم على القواعد” – قد فقدت بريقها كأدوات ضغط على القوى الصاعدة.. بل تحوّلت إلى أداة تُوظَّف انتقائياً لشرعنة تدخلات باتت مفضوحة التناقض.. كما في الموقف من القضية الفلسطينية أو الملف النووي الإيراني.
أولاً: الغرب.. كشف استراتيجي في زمن التردد الولايات المتحدة اليوم تقود.. لكن بثقل التراجع.. تقود حرباً بالوكالة في أوكرانيا ولكنها عاجزة عن حسمها وتخوض مواجهة مضطربة مع الصين.. ممزقة بين ردع اقتصادي غير مكتمل واحتواء عسكري مجهد. أما أوروبا “القارة العجوز” فقد دخلت مرحلة التردد الوجودي.. حيث أضاعت قدرتها على المبادرة المستقلة وصار قرارها تابعاً للرغبة الأمريكية والإسرائيلية أكثر منه انعكاساً لمصالحها الاستراتيجية. في الملف الإيراني.. أخضعت بروكسل سياستها للضغوط الواشنطنية.. وتبنّت لغة التهديد والعقوبات بديلاً عن التفاوض الجاد دون أن تقدم رؤية عملية قابلة للتطبيق.. والنتيجة؟ مزيد من العجز وتراكم التوترات التي تهدد أمنها مباشرة. ثانياً: إيران.. من منطق البقاء إلى منطق القوة على الطرف المقابل.. لم تعد إيران تخوض معركتها مع الغرب كدولة تبحث عن اعتراف.. بل كقوة إقليمية باتت مقتنعة بأن خيار المواجهة أصبح حتمياً.. سنوات العقوبات والضغوط ومحاولات التخريب الأمني لم تضعف المشروع الإيراني.. بل صقلته ودفعته لبناء مرتكزات قوة أكثر صلابة.. ما نراه اليوم هو: · دولة مخضرمة: تراكمت خبرات هائلة في فن التفاوض والمناورة.. كما تظهر في مفاوضاتها النووية الطويلة. · قوة ردعية متعددة الأبعاد: لم يعد جيشها التقليدي هو رأس الحربة بل “محور المقاومة” الممتدة من الحوثيين في اليمن إلى حزب الله في لبنان بأدوات غير تقليدية تعيد تعريف مفهوم الردع. · عتبة نووية حرجة: برنامجها النووي بلغ مرحلة متقدمة جعلت “الخيار العسكري” ضده مجازفة غير محسوبة العواقب.. إن لم تكن مستحيلة. إيران اليوم لا تنتظر “عودة للاتفاق النووي” بترقب.. ولا ترى في المفاوضات مساحة للتنازل المجاني. هي تدير صراعاً بارداً وتوازنات بالقوة.. وتستعد لاحتمال المواجهة الشاملة دون أن تبادر إليها. ثالثاً: العد التنازلي.. حرب لا يشبهها شيء كل المؤشرات تنذر بأن الغرب.. تحت وطأة اليأس السياسي والضغط الإسرائيلي المتصاعد.. قد يتجه نحو خياره القديم المتجدد: “الضربة العسكرية”. لكن هذه المرة.. سيأتي القرار دون يقين بالنصر.. ودون رؤية ليوم ما بعد الضربة.. الحرب على إيران – على عكس العراق أو ليبيا – لا تُختزل في ضربة جراحية ضد منشأة نووية.. إنها تعني ببساطة انفجاراً شاملاً للإقليم.. من البحر المتوسط إلى مضيق هرمز.. ستكون حرباً بلا جبهات واضحة أو أطراف محددة حرباً غير متماثلة تدور في الفضاء الإلكتروني وعبر البحار بأسطول من الطائرات المسيرة والصواريخ.. وعلى الأرض عبر شبكات فصائل مسلحة تمتد من بغداد إلى بيروت وصنعاء وصولاً إلى عمق إسرائيل. الخلاصة: نهاية وهم الهيمنة لقد تغير العالم.. لكن العقلية الغربية لم تتغير بعد.. ما زالت تراهن على أدوات قديمة في واقع جديد.. تلوح بالقوة دون قدرة على الحسم.. وتدّعي الأخلاق وهي تخالفها.. وتفرض شروط التفاوض من موقع أضحت فيه الطرف الأضعف. أما إيران.. فقد تجاوزت مرحلة الدفاع عن وجودها إلى مرحلة التحدي من موقع القوة والإعداد.. وكما يحذر كثير من المحللين.. فإن أول صاروخ يُطلق في الحرب المقبلة لن يكون مجرد عمل عسكري.. بل قد يكون إعلاناً صارخاً عن نهاية عصر الهيمنة الغربية الأحادية.. وبداية زمن جديد تعددت فيها مراكز القوة والفوضى. |